إعلان

الألف قرية والتحديث

د. غادة موسى

الألف قرية والتحديث

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 06 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ترى نظرية الحداثة وجود علاقة بين التحديث والانتقال إلى الحضر، وذلك باعتبار أن التحضر (من الحضر) إحدى سمات التحديث. لذلك يتم التمييز بين الدول الحديثة وغير الحديثة استنادًا إلى نسبة السكان الذين يعيشون في الحضر، أي في المدن الحديثة إلى نسبة السكان قاطني القرى. لذلك انتشرت -في الآونة الأخيرة- مشاريع كثيرة في مناطق مختلفة من العالم؛ لتحسين حالة الحضر. ولكن، لم يتحدث أحد من أنصار نظرية التحديث عن القرى أو عن الريف. وهو ما جعل النظرية محلاً لهجوم وانتقاد شديدين. لذلك يُثار التساؤل حول ما إذا كان الريف نقيضًا للحداثة، وما إذا كان وجوبيًا تحويل الريف إلى مدن صغيرة.

وهو ما ينقلنا إلى البحث في الدور الذي يضطلع به الريف في أي دولة من دول العالم. فقد تم التعارف على أن الريف يمد المدن بالغذاء بصفة رئيسية. اي يُفترض أن يتضمن الريف مساحات واسعة من الأراضي المزروعة على مدار السنة. على أن تتمركز المصانع في المدن. وهذا كان التقسيم التقليدي للنشاط الاقتصادي في دول العالم المختلفة ومنها مصر. وهو التقسيم الذي قامت عليه الصين، حيث طغت الثورة الزراعية في الصين على ما عداها من تثوير للأنشطة الاقتصادية الأخرى. ولكن خلال العقد الأخير أصبح الريف مركزًا لأنشطة زراعية وإنتاجية، وليس بالضرورة أنشطة إنتاجية زراعية فقط.

فماذا عن مصر؟ تعلمنا منذ الصغر أن مصر دولة زراعية، وهي مصنفة في الكتابات الأكاديمية بأنها دولة نهرية شأنها شأن الصين والبرازيل وبعض الدول الأسيوية. والدول النهرية هي دول زراعية، إذ يستفيد النشاط الزراعي من وجود مورد مائي مستدام. ولكن، نتيجة لبعض السياسات الخاطئة، ونتيجة لغياب المتابعة والمساءلة تم الاعتداء على الرقعة الزراعية التي هي خصيصة الريف ليس لصالح أي نشاط اقتصادي، ولكن من أجل منافع فردية. وفقد الريف ميزته النسبية ولم يعوضها بأي ميزة أخرى. ومن يتجول في الريف المصري -وبصفة خاصة في الوجه البحري- سيشعر بألم شديد بسبب ابتلاع رقعة كبيرة من الأراضي الزراعية لصالح أنشطة أخرى.

المطلوب الآن إصلاح ما أفسده البشر، وأن يتم تنمية وتحديث الريف وقراه، وهو مطلب ملح لسد الفجوة التنموية الهائلة بين سكان الريف والحضر من جانب، وللحد من الهجرة من الريف للمدن من جانب آخر.

وحيث إنه تم تحديد المشكلة ووضع الهدف، حان الوقت للتعرف على المنهج -أي الفكرة والطريقة- التي سيتم وفقًا لها تنمية الريف المصري وقراه.

فهل نريد تحويل الريف إلى حضر -كما ترى نظرية التحديث- أم أن لدينا تصورًا آخر للريف المصري ودوره؟

السؤال الثاني: الذي يفرض نفسه يتعلق بالبيانات، هل يوجد تصنيف لحالة القرى المصرية وفقًا لدرجة التنمية: بنية تحتية، خدمات صحية وتعليمية، تعداد سكان، إمكانات زراعية أو صناعية؟

من الأهمية بمكان أن يكون لدينا تصور لهذه الأمور من أجل تقدير دقيق للتكلفة والعائد. يُضاف لما سبق الدور الذي يمكن أن يضطلع به المجتمع المدني على اتساعه (المجتمع المدني هو تلك المساحة التي تتوسط العلاقة بين الدولة والفرد).

ولأن الحمل ثقيل والهدف عظيم والتكلفة باهظة، لا بد من مشاركة مخططة للمجتمع المدني في هذا المشروع. فلا بد أن تحدد الدولة المجالات والأنشطة التي يمكن أن يقدمها المجتمع المدني.

فنترك البنية التحتية للدولة وأجهزتها، ويبني المجتمع المدني المدارس والمستشفيات وإصلاح المنازل وتطويرها. كما يمكن أن تسهم المصانع والبنوك في إنشاء وحدات تشغيل صغيرة أو مشاريع صغيرة ومتوسطة لأهالي القرى. كما يمكن أن تسهم الأندية الرياضية في إقامة الملاعب وتطوير الأندية الشبابية.

فتقسيم العمل وتحديد الأهداف أمر ضروري وحيوي؛ لتحقيق إنجاز ملموس وحقيقي.

خلاصة القول إننا لا نريد أن يتحول الريف إلى مدن أخرى، كما لا نريده عائقًا أمام صيرورة التقدم والتحديث. نريد الحفاظ على طابع الريف وهدفه، ولكن في إطار زراعي وحضاري وتراثي مصري.

إعلان