إعلان

نظرات في منظومة الكتابة والقراءة وجمهورهما..

د.هشام عطية عبد المقصود

نظرات في منظومة الكتابة والقراءة وجمهورهما..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 05 فبراير 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتحدث البعض بتسارع حينًا ومن منطلق توجيهي صارم حينًا رافضًا وناقدًا للإصدارات والكتب التي تملأ أرفف دور النشر ويتم التسويق لها من خلال مؤلفيها على منصات التواصل الاجتماعي، دون أن يمتلك هؤلاء الشباب -من وجهة نظر تلك الرؤى الناقدة- حدًا أدنى من مقومات إبداعية تؤهلهم للإبداع، وحيث يحلو للبعض أن يتقمص دور المعلم بل والموجه متناولًا بالتقييم إصدارات أدبية أو بعضًا من كتب متنوعة وعامة في موضوعات شتى وتحتشد بها قوائم إصدارات دور النشر، منتقدًا تهافت المحتوى، ثم كثافة الترويج لها، وأنه هكذا انحدرت الكتابة من مهنة تكاد تكون مقدسة إلى أن تكون ساحة للجميع، وقد يختار البعض عينات من تلك الكتب والإصدارات؛ ليؤكد على فكرته المسبقة أنها تعبير عن انحدار الذوق العام، بل وتدني الحالة الفنية للإبداع الأدبي والروائي والقصصي عامة.

كما قد يمتد نقد أولئك الثقاة إلى كيف امتد أثر كتابات الهواة من منصات التواصل؛ لتنقل طريقتها وأسلوبها بل وجمهورها إلى ساحة قراءة الكتب، تلك التي ظلت رصينة لا تمسها أيدي المبتدئين وعصية إلا على من امتلك -في تقديرهم- مواصفات خاصة تمامًا يرضى عنها المنظرون "الثقاة"، ومن ثم يمنحونها صك الإجازة، بينما ينسون أن ذلك بعض من تأثير اتساع قاعدة الانتقاء الطبيعي والجماهيري الذي منحته المنصات للبشر المتساوين بحكم الميلاد.

وقد يمتد النقد؛ ليؤكد في رصانة جمة أن تلك الكتابات تتعجل نضج حالة الإبداع وتستسهل النشر والتواجد جماهيريًا قبل أن تستوفي امتلاك أدواتها، وأن ذلك كله هو من قبيل تسييد الغث والرث معًا من الكلام والكتابة، وحيث هي حكر على هؤلاء جميعًا، ومن يوصون بهم ممن تحلوا بالنضج والخبرة وصكوك الإشادة.

سينسى هؤلاء أنه رغم بعض المنطق -الشكلي- في بعض ما يذكرونه وما يخص قطاعًا ما من هذه الكتب والإصدارات فإن ذلك لا يجدر تعميمه عليها جميعًا، وليكون وسيلة لمنع غيرها، كما ينسون أن الفن والإبداع الأدبي ينضجان بالممارسة والتطور والاطلاع، وأيضًا عبر جرأة ومبادرة النشر والتعرض للجمهور، باعتباره القارئ والناقد وصاحب الصلاحية في منح الإذن بالاستمرار أو الاختفاء، وأنه لا أحد يجبر أحدًا على شراء أو قراءة كتاب قصد أن يختاره من أرفف المكتبات، وطالما لا يتضمن المحتوى محاذير قانونية وأخلاقية تحول دون أن يكون مضمونًا قابلًا للقراءة والتداول العام.

وينسى هؤلاء أيضًا أن يقوموا بتجربة بسيطة، وهي النظر للإصدارات الأدبية الأولى لمعظم الكتاب المعروفين مصريًا وعربيًا، وخاصة متدفقي وغزيري الإنتاج منهم، حيث لن يجد سوى تجربة تتطور وتنضج مع الوقت، فنادرًا ما يولد كاتب مكتمل أفق الإبداع وممتلكًا لناصيته من تجربته الأولى، وحيث مع الوقت يتاح له أن يمتلك صوتًا خاصًا منفردًا بعد أن يواصل ويتنافس ويعرض تجربته ويتطور نحو مشروع له خصوصيته.

وأنه وبينما يحرص بعض أو كثير من شباب الكتاب أو الروائيين المعاصرين على الترويج لأنفسهم عبر منصات السوشيال، فقد تولى ذلك آخرون قديمًا أيضا -وجريًا على عادة العصر-حيث روجوا لأصدقائهم وتيارهم أكثر من غيرهم، وعبر ما أتيح لهم من وسائل نشر وترويج، قد صارت الآن وبفعل منصات التواصل ساحة بدء متساوية للجميع.

بل ربما يبدو أنه من المهم والمضيف لحالة قراءة الأدب حاليًا هو قيام الكتابات والإصدارات الأدبية الجديدة للشباب بحشد جمهورها الأولي معها، والذي يتسع دومًا بقدرة هؤلاء الكتاب على استقطاب ودعوة أنصارهم ومتابعيهم لفكرة القراءة وشراء الكتب، وبناء وتوسيع حالة الاعتياد تلك باستمرار عند أجيال أصغر، وهو ما يفسر إقدام دور النشر على تقديم تلك الأعمال للجمهور، وما يرتبط بذلك من جدوى اقتصادية.

لا بد أن نعرف أن ذلك مهمٌ في ذاته، وأنه ومع الوقت ستظهر مساحات تتباين من نضج المحتوى من خلال آليات الفرز والانتقاء التي يقوم بها الجمهور في ممارسات المتابعة والقراءة والشراء، وستكون الأعمال التالية لهؤلاء الكتاب أكثر نضجًا، وهو ما سيؤدي لفكرة تطور القارئ والكاتب بالتوازي، لكنه في كل حال يصنع ويوسع من سوق القراءة والذي ينهض بصناعة النشر، ودليلنا أن معدلات توزيع الكتب في أيام اقتصار النشر على الكتاب المخضرمين الثقاة كانت تشهد محدودية أرقام التوزيع، حتى أن كبار الأدباء والمؤلفين لم يكن أكثرهم شهرة وتحققًا في منتصف وأخريات الثمانينيات من القرن الماضي، يتجاوز عدد النسخ المبيعة من أحد كتبه حيز الخمسة آلاف نسخة.

علينا أن نعرف ونوقن أنه حتى في الدول الغربية التي تتواجد فيها إحصائيات دورية عن معدلات قراءة الجمهور للكتب وأنواعها عبر الأسابيع، فإن أكثر الكتب مبيعًا هي تلك التي تتوجه إلى المتوسط العام من الجمهور، وأنه يبدو الفارق فقط بين أن الأعمال الفنية الناضجة والمصنفة نخبويا صار لها مع الوقت جمهور متسع نسبيًا، يكفل لكتابها ومبدعيها التفرغ لها دون الانشغال بغيرها من أعمال، وعلينا ألا ننسى أن ذلك صار يحدث رويدًا لدينا، ويمكن أن تقارنه بكيف أصر مثلًا الأديب الكبير نجيب محفوظ على التمسك بوظيفته الحكومية، وقد حاز شهرته أديبًا وروائيًا عربيًا كبيرًا قبل جائزة نوبل، دون أن يتمكن -واثقًا من صحة ذلك- أن يتفرغ فقط لعمله الأدبي.

إعلان