إعلان

الموظف الإله

محمد حسن الألفي

الموظف الإله

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 15 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من المواطن المصري الذي يجعلك تكره عيشتك وحياتك، في لحظة واحدة، ترى ابتسامته اللزجة، أو تكشيرته القاتلة أو تجهمه المقزز، وأنت واقف بباب مكتبه أو أمام فتحة في الحاجز الزجاجي بينك وبينه؟

من الشخص المصري الذي من المفروض أن يكون في خدمتك، وتتحول أنت أمامه إلى خادم، متوسل، متسول، تضع على خديك ابتسامة رجاء، و"رجاء" لا تأتي أبدا...؟!

من الشخص المصري الذي يتحول في أقل من ثانية، من فرعون إلى حيوان اجتماعي أليف؟

من هو... ومن هو... ومن هو؟

عشرات الأسئلة تسأل من هو ونحن جميعا نعرفه ونمقته، ونعجب أشد العجب لأمره الغريب، وتقلباته السيكوباتية.

إنه السيد الموظف الإله الفرعون، صاحب التيسير، والتعقيد. صاحب فتح الأبواب، وغلق الأبواب. حارس بوابات الجنة وبوابات الجحيم. هو ذاته الشخص الذي يطالعك بسحنة تخنقك، وهو آخذ في مراجعة أوراق تركيب عداد المياه، أو تغيير هوية، أو عداد كهرباء، أو نقل ابنك من مدرسة، أو استخراج كارنيه، أو ترخيص بناء، أو هدم، أو نصب كشك، أو تغيير نشاط، أو دخول مستشفى حكومي. يراجع الأوراق، ينفخ، يتأمل، يشعل سيجارة، يرمقك بطرف عينه، ينصرف عن المكتب، يغيب. يمسح آثار الوضوء. يصلي. يصيبك بالنَّقطة!

يقوم عن الصلاة، وهو يقول لك بلزوجة وسماجة وتشفٍ: الأوراق ناقصة، اذهب إلى فلان وهات من فلان واطبع وصور واختم وارجع لي غدا.

عندئذ أمامك حلان. الثالث لا أنصحك به؛ هو الحل الذي أخذ به عادل إمام في الإرهاب والكباب. العنف ممنوع. طريق مزدوج لك وعليك. الحلان إما أن تظهر له كرمك فتكرمه وتكرمش على قدر ما تقدر وتتسع كفك. أو تتصل بقريب نافذ لك. قريب نافذ، أكررها. نافذ أي له سطوة وشخطة عند اللزوم. معظمنا يحب ألا يذهب إلى إدارة مرور سيارات أو مرور مبانٍ، أو أي مرور، بدون النافذ الشاخط هذا. عندئذ كل شيء يمشي سيلانسيه. تجد نفسك باشا، والكل في خدمتك.

يتحرك الشخص الكاره لحياته، الذي يجعلك تكره حياتك إلى شخص لطيف بحبوح نحنوح، وينهض، عن مكتبه ويدعوك إلى اللف والدخول من الباب الجانبي، ومن هناك، ستكون في وضعية تسمح لك بتأمل الكائنات البشرية المهزومة المتململة التي تقف حيث كنت أنت قبل أن ينعم الله عليك وتلف وتدخل وتجلس بجوار الموظف الإله.

لماذا يتأله الموظف المصري في حالات غالبة؟ لماذا يتلذذ بممارسة السلطة؟ ما وجه المنفعة في تدوير طالب الخدمة كعب داير؟

لفت نظر الناس جميعا في واقعة القطار والمجند والسيدة المصرية التي أصرت على دفع ثمن تذكرة المجند - ما تباهى به رئيس القطار: أنا رئيس القطار.

لم يكن رئيس دولة، ولا ملك مملكة، ولا مدير إدارة، ولا عمدة. لكن كلمة رئيس قطار، آلة تتحرك بسرعة، فيها مجموعات من البشر، له سلطان عليهم إذا خالفوا، له سلطة التوبيخ والزجر والتهديد، إن أراد التماحيك والتلاكيك.. كل هذه المكونات هي ما خلق بداخله الإحساس بالسيادة.

هو السيد. هو من يملك تسيير القطار وتوقيف القطار. يملك إنزال راكب، والتغاضي عن راكب.

السلطة مفسدة... لمن توطن فيه الشعور القاتل أعلاه.

ويا سيدي الإله الموظف... اعتبر كل طالب خدمة منك أمّك أو أختَك أو أباك أو أخاك... أي حد قريبك أو جارك.

الأيام دوارة. اليوم أنت خلف الشباك، وغدا أنت خارجه.

إعلان