إعلان

التحول الرقمي والتحول الاجتماعي

د. غادة موسى

التحول الرقمي والتحول الاجتماعي

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:07 م السبت 11 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن "الرقمنة" والتحول الرقمي والمجتمع الرقمي حتى أصبح الأمر كأنه "تريند" أو "صيحة جديدة"، وأن وجوده شرط للحاق بالدول المتقدمة من أجزاء النظام الرأسمالي العالمي. لذلك قرأنا، وسمعنا عن استراتيجيات التحول الرقمي وسياسات التحول الرقمي ومشاريع التحول الرقمي. في الوقت الذي يتساءل فيه المواطن العادي وحتى المثقف عن ماهية هذا التحول وفائدته.


الرقمنة، ببساطة، هي دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع أنشطة الحياة ومن ثم المجتمع.

كما هو التحولات التي تحدث في العالم باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.

كما تشير إلى حوسبة computerising النظم والإجراءات حتى يمكن للمواطن أن يصل إلى الخدمات بشكل أيسر وأسرع. والتكنولوجيا الرقمية هي تحويل المعلومات إلى أشكال رقمية بشكل يسمح للمنظومة أو النظام من قراءة البيانات والمعلومات وإعادة صوغها بشكل يمكّن المستخدم من قراءتها.

وهذه المعلومات الرقمية يمكن أن تكون عن سؤال أو طلب أو عن المواطن وتيسير الحصول على الخدمة. ومن شأن هذا التحول أن يمكن من ربط الخدمات ببعضها وأن يطور من الأداء ومن ثم جودة تقديم الخدمات.

وعليه، لا يقتصر الأمر على توفير حواسب أو نقل بيانات ووضعها على الحواسب لتكون رقمية. الأمر يستهدف فلسفة التحول ذاته بأن تكون موجهة للتطوير والتحديث من جهة، وأن تركز سياسات التحول الرقمي على إيجاد منصات لهذا التحول وتحديث إن لم يكن وضع منظومات وإجراءات جديدة.

ولا شك أن التحول الرقمي على النحو الذي تم إيضاحه يساعد بنسبة أو بأخرى على إحداث قدر من التحول الاجتماعي في علاقات البشر ببعضهم وعلاقاتهم بالمؤسسات.

والتحول الاجتماعي يستهدف القيم الثقافية والمؤسسات الاجتماعية عبر الزمن. ويجب عدم خلط التحولات الاجتماعية بنظرية التحديث وعناصرها كمعيار لقياس التحول؛ بصفة خاصة في سياق المجتمعات العربية التي نتحدث عنها.

وما يطلق عليه "الصدمات الخارجية" ومنها التطورات التقنية يساعد على إحداث هذا القدر أو ذاك من التحولات الاجتماعية؛ فالابتكارات تسهم في تجسير الفجوات المعرفية بين الطبقات وبين الريف والحضر والحد من التهميش، وذلك ما ذهبت إليه العديد من الدراسات. فهناك تفاعل بين السياق الاجتماعي والتطور التقني.

وحتى يمكن التعرف على أثر التحول الرقمي على أشكال التحول الاجتماعي، فلا بد من أدوات لقياس تقبل المجتمع للرقمنة وعدم مقاومته لها. وهذا القياس يحدد الفجوات الرقمية الفردية والمجتمعية. ومن ثم وضع السياسات التي من شأنها تضييق تلك الفجوة وتصميم البرامج اللازمة لبناء القدرات وزيادة المهارات.

فالتحول الرقمي له تداعيات متباينة على مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

فقد أشارت منظمة "اليونسكو" إلى أن ٩٠٪ من المدارس في العالم تعطلت؛ مما استلزم التفكير في التعليم عن بعد حتى لا تتعطل العملية التعليمية ومن ثم استقرار المجتمع.

كما أشارت منظمة العمل الدولية إلى أن ٩٤٪ من قوة العمل تأثرت بسبب كورونا؛ مما استلزم التفكير في العمل عن بعد أو العمل من المنزل.

ولا شك أن التدريس والعمل عن بعد يتطلبان بنية تحتية تكنولوجية يمكن الاعتماد عليها ويمكن تحمل تكلفتها، والأهم من ذلك مهارات رقمية digital skills تمكن من التعامل مع المنظومات الرقمية الحديثة.

ورغم ما سبق، فلا يزال ٤٤٪ من سكان العالم غير مرتبطين بأي شكل من هذه المنظومات.

وكما سبقت الإشارة، لا بد في مرحلة أولى من التحول الرقمي من تقييم المهارات الموجودة في المجتمع والأطر والاقترابات المعمول بها في تقييم تلك المهارات.

ولا بد من تصنيف تلك المهارات وفقا لمستويات بعينها (مهارات أولية أو أساسية كاستخدام الحاسب الآلي والقدرة على إرسال بريد إلكتروني وإرسال ملفات إلكترونية - مهارات وسيطة مثل التسويق الرقمي وتصميم الجرافيك - مهارات متقدمة مثل إنترنيت الأشياء والواقع الافتراضي والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني) ثم تحديد ماهية المهارات اللازمة لتحقيق التحول الرقمي الفعلي.

وأهمية هذه المستويات أنها توجه صانعي سياسات التحول الرقمي لأنسب الاستراتيجيات والخطط في هذا الإطار.

والافتقار إلى هذه المهارات يعوق وبشكل كبير إمكانية التحول الرقمي شأنه شأن غياب منصات واقترابات وأطر التحول الرقمي.

فنحن لا نتحول رقميا لذات التحول الرقمي، بل لإحداث تحول اجتماعي، أو بعبارة أخرى تسيير التحولات الاجتماعية في الاتجاه السليم من خلال التحول الرقمي.

فعدم المساواة في المهارات الرقمية يعكس بشكل كبير عدم المساواة الاجتماعية.

إعلان