إعلان

اللحم والمتدينون الجدد

أمينة خيري

اللحم والمتدينون الجدد

أمينة خيري
07:01 م الإثنين 15 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نقول كمان؟ لمن يملك قدراً من المنطق ومعه مقدار من الشجاعة على التمعن دون إقامة متاريس الهجوم الفتاكة مع أول ذكر لكلمة "تدين" نلفت النظر إلى ما جرى في مصرنا على أيادي عتاولة التدين موديل القرن العشرين وعبر جيوبهم.

ونخص بالذكر هنا ما جرى لإناث مصر، بدءاً برضيعاتها مروراً بطفلاتها ومراهقاتها وشاباتها وانتهاء بمسناتها والموتى منهن.

فيما يلي نص منقول كما هو دون إضافة أو حذف، ومثله مئات موثقة على مواقع تقول إنها تقدم الفتاوى الدينية من أهل العلم والدين.

يقول السائل: هل يجوز الزواج من الرضيعة؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل يجوز الاستمتاع بها؟ (خذ بالك إن السائل بالطبع يتمنى أن تكون الإجابتان "نعم"، وإلا ما سأل من الأصل. وخذ بالك أيضاً إن الفكرة من الأصل طرأت على باله).

وتقول الإجابة بالنص: "انطلاقاً من رغبة الإسلام في هذا، شرع سبق العقد في النكاح على الصغيرة، ولو كانت في سن الرضاع، إذا لم يوجد ما يمنع ذلك من نسب أو رضاع، ودليل هذا قوله تعالى: "وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ".

ووجه الدلالة هنا أن العدة لا تكون إلا عن نكاح، ولما ثبت في البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تزوج عائشة (رضي الله عنها) وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع. أما فيما يتعلق بالاستمتاع بالرضيعة، فإنه مستهجن طبعاً وغير ممكن عادة، ولا يتصور اشتهاؤها من أصحاب الفطر السوية، ولذلك ينص الفقهاء في أبواب مختلفة من الفقه على التفرقة بين الصغيرة التي لا تشتهى عادة وبين غيرها من حيث النظر واللمس".

وللعلم والإحاطة، فإن "الاستهجان" بحسب قاموس المعاني هو "شعور بعدم الموافقة أو الاستنكار تبديه جماعة ما معبرة عن عدم موافقتها أو رفضها للأفعال الخلقية المقبولة"، أي أنه "شعور بالرفض، وليس تنديداً أو شجباً أو إدانة أو تحريماً!

ولن نخوض بالطبع في زواج ابنة الثامنة والتاسعة والعاشرة "والاستمتاع بها" وهي العبارة التي يحب أن يستخدمها المتدينون الجدد للتعبير عن شهواتهم المغلفة بجلباب ديني فضفاض، لأن كل ما سبق يخضع لمعيار "أن تطيق الوطء".

وبالطبع لا مجال هنا للحديث عن أن المقصود هنا هو الطفلة- ابنتك وابنتي- وليس بهيمتك وبهيمتي، ولا مجال أيضاً لمجرد التفكير في أن المشار إليها ربما تكون إنسانة لها حق في آدمية ومشاعر وتعليم وتربية وتنشئة... إلخ.

ربما يرى البعض أن هذا الارتكان على هذا المثال فيه مبالغة أو تعميم في غير محله، وأن المتدينين الجدد (من معتنقي التفسيرات الدينية الإسلامية موديل أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات في مصر) منهم الوسطي الكيوت، والوسطي المعتدل، والوسطي نص نص.

لكن نعود لنسأل: وهل الوسطية تلك هي التي أوصلتنا لأن تنظر الغالبية المطلقة منا- نساء ورجالاً- لأي أنثى لا تلتزم بمقاييس الأيزو وارد التي وضعها المتدينون الجدد من منطلق العهر وبيع اللحم الرخيص والدعوة إلى الفجور إلى آخر القائمة التي يتلذذون بذكرها وسردها ونطقها؟!

لنغمض أعيننا برهة، ونتخيل أن عجلة الزمن عادت 60 عاماً إلى الوراء في شارع قصر النيل في وسط القاهرة، وإذ بالمارة نساء مصر في عام 1960. كيف سيكون استقبالنا لهن في عام 2020؟

أغلب الظن أن جانباً منا سيقوم بمهمة التحرش الجماعي بهن عقاباً لهن على هذه الفساتين التي ارتدينها دون شك من أجل إثارة الشهوات وإفساد الأخلاق والفضيلة وخدش الحياء، بينما سيفرط الجانب الآخر إما في البسملة والحوقلة مع كثير من اللعنات على هؤلاء الفاسقات الساقطات الداعرات، أو في سبهن وشتمهن بالأب والأم تقويماً لهن على مظهرهن.

ماذا فعل المتدينون الجدد بنساء مصر؟ جعلوا منهن كائنات تمشي حاملة وزر النوع، وتتجرع مرارة تكوينهن البيولوجي الذي تفرغ المتدينون الجدد إما لشيطنته أو إقناع العامة بأنه تكوين خُلِق لسبب واحد لا ثاني له ألا وهو "استمتاع" الرجل.

لقد صارت غالبية نساء مصر على قناعة بأنهن إما شهوات تتحرك على قدمين أو شيطانات يدعون إلى الفسق.

والسؤال هو: كيف يمكن أن يصنف عاقل المتدينين الجدد على أنهم أعادوا إحياء الدين، وأنعشوا الحس الشعبي بالتدين، بينما نترأس قائمة الأمم الأكثر تحرشاً في القوائم الرسمية؟!

الأعجب والأغرب أن المتدينين الجدد أنفسهم حين يحلمون بمكان أفضل يعيشون فيه أو يهربون إليه يلجأون إلى دول لا ترى عيباً أو نقصاً أو فضيحة في أن تترأسها نساء.

تحية كبيرة جداً إلى الفنان شريف منير الذي يتعامل مع بناته باعتبارهن كائنات بشرية، ولسْن كتل لحم تطيق الوطء، أو تحتمل الانتظار حتى تطيق.

إعلان