إعلان

سم الـ"شير" القاتل

أمينة خيري

سم الـ"شير" القاتل

أمينة خيري
07:00 م الإثنين 01 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"تم إلغاء امتحانات الثانوية العامة"، "سيتم إغلاق البنوك لأجل غير مسمى"، "يتم إحراق جثامين المتوفين بفيروس كورونا"، "الطائرات العسكرية ترش مبيدات أعلى قرى سكنية لتطهيرها من كورونا"، "حظر التجوال الليلي أمني ولا علاقة له بمواجهة الفيروس"، "الكمامات التي يتم توزيعها في المترو مستعملة"، "إغلاق المساجد سببه أن الدولة تحارب الدين وتضيق على المتدينين".. وقوائم طويلة لا تنضب من الأخبار التي لا أساس لها من الصحة، لكنها تصول وتجول دون هوادة على مواقع التواصل الاجتماعي.

مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات- في رأيي- هي الابتكار الأعظم في القرن العشرين. لكن العظمة لا تعني الكمال. وإذا كانت هذه المواقع والتطبيقات قدمت خدمات جليلة للبشرية وما زالت تقدمها؛ حيث دمقرطة المعلومات وإتاحة المعرفة للجميع بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فهي أيضاً تحولت في جانب غير قليل منها إلى مرتع للكذب والفبركة والتحكم في مصائر ملايين عبر معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة وتحليلات موجهة وتنظيرات لا تعبر عن سوى رأي كاتبيها ومعتنقيها.

اعتناق ما يدور رحاه على أثير مواقع التواصل، ودق "لايك"، والأدهى من ذلك اتخاذ قرار الـ"شير" فيها سموم قاتلة. وعلى الرغم من أن خطورة الأخبار الكاذبة والمفبركة وتوجيه الرأي العام عبر بث ونشر أفكار ربما تكون موجهة وبث الفتنة من خلال الدق على أوتار التشدد والتطرف وإذكاء بغائض الفوقية المرتكزة على الانتماء لدين بعينه أو عرق معين - تعود إلى زمن ما قبل كورونا، فإن استمرار هذا الهراء المعلوماتي المتاح، وإهمال وتواكل وتكاسل المستخدمين في التدقيق فيما يقرأون، والتمعن قبل الإقدام على الـ"لايك" والـ"شير" فيه سموم قاتلة.

وبفعل هذا الطوفان من المعلومات الكاذبة وغير المدققة حول الفيروس مع الاستخدام المفرط للـ"شير" من قبل مستخدمين لا يفكرون مرتين قبل المساهمة في نشر الهبد والمشاركة في بث الرزع، هناك في العالم من أقبل على شرب الكحول ليقي الجسم شرور الفيروس، وهناك من رفض دفن موتى الفيروس، وهناك من اعتقد أن الفيروس لا يصيب سوى "الكفار"، وأن كورونا لا يعدي مؤمنا أو يجرؤ على دخول مسجد، وهناك من أفتى بأن كورونا وهم وخيال ما أدى إلى حدوث إصابات قاتلة ومتواترة، وهناك من كتب أن "هيدروكسي كلوروكين" يضمن الشفاء من كورونا فتناوله البعض، ومات إثر التسمم، وهناك من أشاع أن هواتف الجيل الخامس من المحمول 5G السبب في انتشار الفيروس، ما أدى إلى حرق عدد من الهوائيات الخاصة به، وهناك من أشاع أن الفيروس سببه أعراق آسيوية بعينها ما أدى إلى هجمات وتنمر عليهم في دول عدة حول العالم، وهناك من قال بأن المسلمين هم السبب في نشر الفيروس فتعرضوا لهجوم من قبل مجموعات غاضبة، والأمثلة كثيرة وتتوالد وتتناثر بينما نتكلم.

الكلام عن حظر وتكبيل مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من التطبيقات العنكبوتية لا جدوى منه. وحتى ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام من إصدار أوامر تنفيذية تنص على إلغاء جوانب من الحماية القانونية التي تحظى بها شركات التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار الحرب المستمرة بينه وبين شركات مثل "فيسبوك" و"تويتر" ومعهما المعارضون له ولسياساته وتوجهاته، فإنها وغيرها من الإجراءات والقرارات القانونية والأمنية ليست الحل الأمثل.

الأمثل هو مسؤولية المستخدم. وليس هناك أسوأ من المستخدم "المتعلم" الذي يمضي ساعات يومه دقاً على الـ"شير" لأخبار ومعلومات غير موثقة وفي الأغلب كاذبة ومفبركة، وحين تسأله عن سبب الـ"شير" وضرورة توخي الحذر لأن في الـ"شير" غير المسؤول سم قاتل، يبادرك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تفيد بأن على المؤمن ألا يحتفظ لنفسه بمعلومة أو يبخل عن أخيه بها لعلها فيها نجاته أو مصلحته.

ثم يزيد الطين بلة بأن يبرر فعلته الهوجاء بقوله: "أنا باعمل اللي علي وأشير في الخير. وعلى الآخرين التحقق من المحتوى".

إعلان