إعلان

الثلاثة معاً.. أو لا شيء !

سليمان جودة

الثلاثة معاً.. أو لا شيء !

سليمان جودة
07:40 م الأحد 03 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


في حوار مع الأهرام، صباح الخميس، قال الدكتور حسين عيسى، رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب - كلاماً مهماً عن الحكومة، وعن الاقتصاد، وعن الموازنة الجديدة، ولكن أهم ما قاله أن الموازنة التي تبدأ في أول يوليو المقبل هي: موازنة الأزمة والأولويات!

ومما قاله أيضاً أن التباطؤ في إعادة الأنشطة الاقتصادية الدولية سيمثل عامل ضغط سلبياً على الاقتصاد المصري، وأننا في حاجة إلى إستراتيجية للخروج من الاقتصاد التمويلي إلى الإنتاجي؛ لأن السياسات المالية والنقدية غير كافية!

وهذا كلام مهم لا بد أن تضعه الحكومة أمام عينيها، سواء وهي تضع الاستراتيجيات والسياسات المطلوبة، أو وهي تضع الموازنة الجديدة، ثم تعيد ترتيب وتبويب بنودها حسب ما تفرضه أجواء كورونا، ليس فقط علينا، ولكن على العالم من حولنا بكل أركانه!

فلم يعد هناك شك لدى أي عاصمة في أن بنود الإنفاق العام في موازنتها العامة لا بد أن تتغير، وأن هذا التغير لا بديل عن أن يكون في صالح ثلاثة بنود لا رابع لها: بند الصحة، بند البحث العلمي، ثم بند التعليم!.. وفيما وراء ذلك تأتي باقي البنود!

والحقيقة أن المسمى الذي أطلقه عيسى على الموازنة الجديدة في محله تماماً، كما أنه يعبر عن واقع الحال بأمانة.. فليست هناك دولة في هذه اللحظة إلا وتمر بأزمة، لأن كورونا لم يفرق بين الدول والعواصم، ولم يميز بين الولايات المتحدة الأمريكية بجلالة قدرها، وأي دولة محدودة الموارد من دول العالم الثالث، وبالتالي فالأزمة عندنا هي جزء من كل أشمل وأعم!
ولأن هذه هي سمات الحالة الراهنة، فمن الطبيعي أن تنعكس على الموازنة الجديدة، من حيث الأولويات فيها ومن حيث ترتيب هذه الأولويات التي ليس من الممكن أن تظل كما كانت قبل أن يداهم الڤيروس مختلف الدول، وقبل أن يدوس فوق أشياء كثيرة وهو يتحرك ويتجول في أرجاء العالم!

ومن حُسن حظ الحكومة أن الدستور القائم يسعفها في هذه المسألة، ويبدو كأن الذين وضعوه في عام ٢٠١٤ قد تنبأوا بما يجب أن يكون عليه الإنفاق العام في المستقبل القريب، وبما سيكون على الحكومة أن تفعله وهي ترتب أوضاع ما بعد كورونا!

يبدو ذلك واضحاً في المواد الأربعة التي تتحدث في الدستور عن نسب الإنفاق العام على الصحة، والتعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والبحث العلمي.. ففي هذه المواد إلزام للحكومة بألا يقل إنفاقها على الملفات الأربعة عن عشرة في المائة من الناتج القومي الإجمالي.. ولم تتوقف المواد الأربعة عند هذا الحد، ولكنها ذهبت لمدى أبعد؛ فألزمت الحكومة أيضاً بأن تأتي مرحلة تالية يتزايد فيه الإنفاق العام على البنود الأربعة ذاتها ليصل إلى المعدلات العالمية !

لا تحتاج الحكومة إلى إجهاد نفسها في التفكير حول أولويات الإنفاق العام في موازنتها العامة الجديدة؛ لأن الدستور الحالي سبق في هذه القضية بأن وضع لها نظاماً منذ وقت مبكر، وفي وقت لم يكن العالم كله يفكر في الأمر كما يفكر حالياً !
كنا نسمع، ونقرأ قبل مجيء كورونا أن دولاً بعينها قررت من تلقاء نفسها أن يكون التعليم أولوية أولى لديها، وكانت سنغافورة وماليزيا وفنلندا.. على سبيل المثال.. تقف في المقدمة من دول العالم في هذا الاتجاه، وكانت هناك علاقة مباشرة بين التطور الذي حققته هذه الدول الثلاثة في حياة مواطنيها، ومستوى الخدمة التعليمية التي كان مواطنوها يحصلون عليها!
الآن.. تقدمت الصحة لتنافس التعليم رأساً برأس، وتقدم البحث العلمي ليزاحمهما نداً بند، ولم يعد من الممكن أن تغمض دولة عينيها عن الثلاثة معاً، ولا عاد في الإمكان تأخير ملف منها وتقديم ملفين.. فالخيار هو هكذا: الثلاثة معاً.. أو لا شيء!
ولا توجد دولة تستطيع أن تتحمل في المستقبل ألا يكون خيارها هو الثلاثة معاً؛ لأن درس الوباء يقول بضرورة وضع كل ما يخص صحة الإنسان فوق ما عداه!.. أما التعليم، فهو قرين الصحة، وأما البحث العلمي، فهو ثالثهما الذي لا يغيب.

إعلان