إعلان

 الفنان القدير حمو بيكا

عبدالله حسن

الفنان القدير حمو بيكا

عبدالله حسن
09:00 م الإثنين 02 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنا في عام 98 تحديدًا في إجازة الصيف بالإسكندرية.. كانت جميع المحلات والسيارات تشدو بما أُطلق عليه آنذاك: "الأغنية الشبابية".. كان عمرو دياب وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وفؤاد ومنير وغيرهم من الكثيرين يتقاسمون معنا جزءًا كبيرًا من المراهقة وتكوين الشخصية.

وكنت أنا -كمراهق- أتتبع أخبارهم وأحفظ أغانيهم عن ظهر قلب وأدافع بشدّة عنهم وكأنهم أصدقائي أو أحد أفراد عائلتي.. وكثيرًا ما كانت تنتابني نوبات من الغضب الشديد إذا شتم أحدهم أمامي في كلمات أغنية مثل: "السود عيونه يا وله".. وأين هذا من "رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا؟".. وكثيرًا ما كنت أشعر بالضيق أثناء السفر؛ لأن أبي وأمي يصران على الاستماع لأم كلثوم خلال الرحلة..

لا أكذب عليكم ما زلت إلى الآن أستمع إلى ما أطلقوا عليه: "الأغنية الشبابية"، وما زالت إيقاعات "حميد الشاعري" تطربني ولكنني، أيضا الآن أطرب إلى أم كلثوم وعبدالحليم وغيرهم..

اختفى الهجوم على "الأغنية الشبابية" بعد أن أصبحت أمرًا واقعًا، وأصبح من يقدمونها نجوم صف أول.. ويذكرني هذا بحالة الجدل التي نعيشها اليوم على أغاني المهرجانات.

فإذا كنّا الآن نترحم على أيام "سحراني"، و"السود عيونه".. كيف سيكون حالنا بعد عشرين سنة من الان..؟

هل من الممكن أن أرى "حمو بيكا وشاكوش وشواحة"، محكّمين في برنامج مسابقات أغانٍ بعد سنوات؟ ويسبق اسمهم الفنان القدير؟.

لا داعي للاندهاش.. أعتقد لم يكن يتصور أحد من الجيل السابق أو جيلنا أن نصل إلى هذا الحد من الانحدار..

والمشكلة هنا لا تكمن في المهرجانات كأغانٍ أو نوع موسيقى أو حتى كلماتها.. إنما هي انعكاس لحالة من العشوائية التي نعيشها في مجالات كثيرة.. والخوف كل الخوف أن تتحول العشوائية إلى نظام ويصبح المنطق غريبًا، والصح هو الاستثناء والشاذ هو المفروض..

ما زلت أُصر على أننا مجتمع به الكثير من المثقفين، ولكننا لسنا بالمجتمع المثقف.. ما زلنا في مرحلة الاندهاش وتتبع كل ما هو غريب وعجيب ومخالف للقاعدة.. ولسنا هنا بصدد مناقشة الأذواق.. الفطرة الإنسانية الطبيعية تأنف من كل ما هو سيء، وتميل إلى كل ما هو طيب.. ولكن ما يحدث الآن نتحمل ذنبه جميعًا.. صدقوني يا سادة قال عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه "أميتوا الباطل بالسكوت عنه"، ولكن نحن نصفق –الآن- للباطل، وأصبح حديث السوشيال ميديا والإعلام.. لا ألوم على "حمو وشواحة وشاكوش وغيرهم".. فهم ضحايا في ثوب الذئاب.. وجدونا مادة غنية ومناسبة "للسبوبة".. نحن نلوم عليهم، ونحن من صنعناهم.. وكعادتنا نبني الأصنام، ومن ثم نصرخ طلبًا لهدمها، وما إن هُدمت نشرع في بناء أصنام جديدة..

الحل لن يكون بالمنع التام فهذا خارج عن نطاق البشر.. وهنا تنطبق مقولة "لا يفل الحديد إلا الحديد" الفن أصبح -الآن مع الأسف– سلعةً وعرضًا وطلبًا.. وإذا كان هذا هو المعروض فقط، فنحن في مأزقٍ كبيرٍ.. أعيدوا حفلات "ليالي التليفزيون".. ويجب أن تعود الدولة لساحة الإنتاج الفني.. صدقوني.. ما زلنا نملك الكثير من الفنانين والمبدعين.. استفيدوا من إبداعهم وكرّموهم في حياتهم.. أفضل من أن يتم تكريمهم بعد وفاتهم!.

إعلان

إعلان

إعلان