إعلان

الحياة أصبحت "أونلاين"..!

د. غادة موسى

الحياة أصبحت "أونلاين"..!

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 31 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حياة الـ"أونلاين" واقع نعيشه، سواء رأيناه جيدا أو سيئا. وهذا الواقع يدركه مَن صارت أعمارهم بين الـ٣٥ والـ٥٥ عاما؛ لأنهم عايشوا التطورات المتلاحقة خلال العشرين سنة الماضية. وبالتالي يستطيعون المقارنة بين الماضي والحاضر. وحيث إنه لا يمكن الهروب أو إنكار واقع "الأونلاين" فلا بد من التعامل والتكيف معه بأقل الخسائر الممكنة.

فلا يمكن لأحد أن ينكر مستوى السرعة التي تحققت في إنجاز الكثير من الأشياء والأعمال. فمعظم الخدمات والمعلومات يحصل عليها الفرد في مدة زمنية قصيرة. والحلول للكثير من الأمور والموضوعات صارت في متناول يد الإنسان العادي من خلال هواتف ذكية تصل الإنسان بأقرانه ومجتمعه والعالم في دقائق قليلة. وهي ثورة بحق ليست في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ولكن ثورة طالت مفاصل حياة الإنسان، وزادت من حريته وقدرته على الاختيار واتخاذ القرار والفعل. وستتحول في القريب العاجل جداً من ثورة تقنية إلى ثورة اجتماعية شاملة لها جوانبها الإيجابية والسلبية أيضاً.

صار التعليم "أونلاين" أو هجينا. كما صارت معظم البرامج التدريبية أونلاين، ودلالة ذلك هي التعلم المستمر في كل زمان ومكان. فبينما كان التعليم والتعلم في الماضي محصورا في قاعات الدرس والكتب الورقية، اتسعت الآفاق ليكون التعليم والتعلم متاحاً للجميع. كما زاد الاتصال الحضاري بين المجتمعات البشرية، فنحن نعلم أكثر عن الآخرين في دول أخرى ونتفاعل معهم عن ذي قبل. فلسنا في حاجة إلى الانتقال والسفر والإنفاق لنتعرف على شعوب وحضارات العالم.

كذلك التعاملات الاقتصادية والتجارة، حيث بدأت كل المتاجر الكبرى في التحول إلى الشراء "أونلاين" لتوفر بذلك عمالة وشراء محال، لأن كل ما ستحتاجه هو مخازن وشبكات ربط رقمية.

وعلى الرغم من تلك المزايا، فهناك قلق من تأثير ما سبق على التشغيل والبطالة ومن ثم زيادة الكساد.

وكما تعلمنا أنه في كل أزمة فرصة ومع كل تحول هناك آفاق جديدة، فحياة "الأونلاين" من شأنها أن تولد فرص عمل من نوع جديد وبمهارات جديدة. فالنظر إلى أن كل شيء أصبح، وسيصبح " أونلاين" يولد فرص عمل مباشرة في تجهيز البنى التحتية لذلك. وصيانتها وتطويرها، بالإضافة لأعمال البرمجة والربط الرقمي.

وهي أعمال تتطلب بناء قدرات ورفع مهارات في تلك الموضوعات. وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يريدون أو لا يجيدون تعلم هذه المهارات، فأمامهم أفق أرحب في مجالات الابتكار والتجارة الإلكترونية وتقديم منصات تعليمية أو تبادل الخدمات وبيعها من خلال كتل السلاسل المعلوماتية blockchain.

وقد قامت مؤسسات دولية عديدة بإجراء دراسات عن سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأن معظم سكان تلك المنطقة تحت سن ٢٤ سنة، وبالتالي هم جيل "الأونلاين" بحق.

وقدرت تلك الدراسات أنه مع حلول عام ٢٠٥٠ ستحتاج المنطقة إلى ٣٠٠ مليون فرصة عمل. والتحول الرقمي سيتيح على سبيل المثال لدول مجلس التعاون الخليجي بمفردها ٥٠٠ ألف فرصة عمل. وقد بنت تقديراتها على العوائد التي حققتها خدمات "الأونلاين" مثل خدمات النقل والمواصلات التي حققت عائدات مالية زادت على ١،٣ بليون دولار خلال السنتين الماضيتين.

ورغم ما سبق، فتطور " الأونلاين" الجديد يجب عدم النظر له فقط من زاوية التقنية، فلا بد من إدخال اعتبار المقاومة والصمود، أي الجانب الثقافي.

فهذا التيار أسفر عن تحولات ثقافية كبيرة في مجتمعاتنا، أهمها زيادة النزعة الفردية والانعزالية وضعف الولاءات الأسرية والمجتمعية، بحيث أصبح كل فرد مؤسسة قائمة بذاتها. وإذا كانت تقنية "الأونلاين" تطور المجتمع وتفتح آفاقا جديدة، فإنها قد تخلق مجتمعات ميكروكوزمية منفصلة وغير مترابطة، وتعيش في عوالم افتراضية لا تتصل بالتطور المجتمعي الواقعي.

إعلان