إعلان

ذكرى يناير بين سرديتين

طارق أبو العينين

ذكرى يناير بين سرديتين

طارق أبو العينين
09:00 م الأحد 26 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع حلول الذكرى التاسعة لاندلاع ثورة يناير، انقسم المشهد الإعلامي المصري إلى فريقين، الفريق الأول يعتقد بإمكانية محو ثورة يناير من تاريخ مصر الحديث والمعاصر؛ بوصفها مؤامرة دبرتها عناصر جماعة الإخوان المأجورة لإشاعة الفوضى في البلاد وزعزعة استقرارها وتفكيكها.

أما الفريق الثاني، فهو أبواق جماعة الإخوان الإعلامية الممولة من تركيا وقطر، والتي تعتقد في المقابل بإمكانية إشعال ثورة جديدة في مصر، بناء على دعوة أطلقها الثائر المعتزل محمد على لجموع الشعب المصري بالخروج لإسقاط النظام، وهي الدعوة التي فشلت فشلاً ذريعاً كغيرها من الدعوات مجبرة مطلقها على اعتزال السياسة.

لكن الأمر اللافت، في اعتقاد كاتب هذه السطور، هو أن كلتا السرديتين المتصارعتين لا تعبران بأي حال من الأحوال عن الحالة التي عاشها الشعب المصري في الميادين، قبل تسع سنوات، ولا عن كم المياه التي تدفقت في نهر السياسة المصرية بعدها فغيرت طبيعته ومساره.

فالسردية الأولى التي تفترض أن ثورة يناير كانت مجرد مؤامرة لإشعال الفوضى في البلاد تتجاهل عن عمد أن ما جرى في يناير 2011 كان نتاجاً لعقد كامل من الحراك السياسي والغضب الاجتماعي المتراكم تجاه نظام مبارك، بما أسهم في بروز حركات وتكتلات سياسية واجتماعية كحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وتيار استقلال القضاء وحركة 9 مارس في الجامعة، بما أسهم في النهاية في أن تأخذ تحركات الجماهير في يناير 2011 طابعها الثوري، فتنتهى بإسقاط مبارك بمباركة المؤسسة العسكرية ودعمها وتأييدها لمطلب الجماهير في يناير 2011، بما ينفى عن تلك الهبة الشعبية الخالصة أية اتهامات تتعلق بكونها مؤامرة خارجية مخططة لهدم البلاد.

أما السردية الثانية التي تروجها أبواق جماعة الإخوان الإعلامية بأموال القطريين والأتراك منطلقة من فرضية إمكانية توظيف ذكرى يناير في إشعال ثورة جديدة في البلاد، فإنها برغم انطلاقها من تلك الفرضية تعمل، دون أن تدرى، على هدم وتجريف ما بقي من ذكرى لثورة يناير لدى جموع المصريين؛ لأن الوسائل المستخدمة من قبل أبواق تلك الجماعة تكرس لفوضوية وعشوائية سياسية بفعل اختبائها خلف زعامة هشة ومراهقة ووهمية، مثل المقاول محمد على، مستخدمة التمويل الخارجي لترويج خطابها وتحقيق أهدافها، بما يدعم للمفارقة حجج الجبهة الإعلامية المعادية لثورة يناير.

ولذلك يمكن القول في النهاية إن هذا الصراع والسجال بين السرديتين سوف تكون نتيجته مستقبلاً هي تشويش وعى الأجيال الجديدة ووأد فرصة فهمها معنى كلمة ثورة؛ فالثورة وإن كانت حدثاً استثنائياً غير قابل للتكرار بكاميرا وميكروفون فضائية ممولة، فإنها أيضا حدثٌ تاريخيٌ غيرُ قابل للمحو من الذاكرة والوجدان.

إعلان