إعلان

الحسابات "التركية – الروسية" في ليبيا

محمد جمعة

الحسابات "التركية – الروسية" في ليبيا

محمد جمعة
09:00 م الخميس 16 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

انهار وقف إطلاق النار في ليبيا الذي حاول الرئيس التركي أردوغان تثبيته من خلال المزيد من التنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ اللقاء الذي جمعهما معا في إسطنبول في الثامن من يناير الجاري.

وقف إطلاق النار الذي انهار كان سيحقق لأردوغان ليس فقط حماية حكومة السراج المتحالفة معه، ولكن أيضا استعراض نفسه فاعلًا إقليميًا يتعين التعامل معه، خاصة مع ما أشارت إليه مصادر معتبرة، مثل موقع stratfor، إن أردوغان كان يدفع في اتجاه تسيير دوريات مشتركة مع موسكو، عقب تثبيت وقف إطلاق النار، مماثلة للدوريات التي تم التفاوض عليها بين تركيا وروسيا في سوريا بعد التوغل التركي هناك.

الآن، تفرض حسابات النظام التركي عدم التخلي عن حكومة السراج كونها الجهة الوحيدة التي تعترف بمطالبات تركيا بالتنقيب عن النفط والغاز، ومن ثم إذا سقطت فإن الاتفاق الأخير بينهما بتحديد منطقة اقتصادية خالصة في البحر الأبيض المتوسط سينهار أيضًا.

تركيا تقول إنها سترسل قوات إلى ليبيا لمساعدة حكومة السراج المتعثرة، والتي يحاصرها الجيش الوطني الليبي. لكن من الناحية العسكرية، لا تملك أنقرة القدرة أو الموارد للانخراط الكامل والمباشر في العمليات القتالية في ليبيا التي مزقتها الحرب.

في النهاية، سيجد سلاح الجو التركي (على الرغم من امتلاكه القدرة على التزود بالوقود في الجو) أنه من الصعب للغاية القيام بعمليات في ليبيا بسبب المسافة الكبيرة بين البلدين. وبالتالي فالتصريحات التركية – عمليًا – تشير إلى قيام عناصرها العسكرية بدور رمزي (وليس القتال المباشر)، هدفه توفير التدريب والمساعدة، مع التعويل بشكل رئيسي على شبكة الفواعل من غير الدول من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي انخرطت الاستخبارات التركية في التنسيق معها وتوظيفها في خدمة أهدافها طيلة سنوات الصراع في سوريا، ولا تزال. خاصة وأن التحركات التركية، في السياق الليبي، ذات الصلة بنقل عناصر إرهابية إلى هناك، باتت مرتبطة، جزئيا، بمصالح آنية ضاغطة لقوى دولية كبيرة مثل روسيا!

ففي الوقت الذي يتعاظم فيه التنسيق بين تركيا وروسيا في سوريا، تبرز الحاجة إلى تفكيك بؤرة "إدلب" الإرهابية. هنا من الأفضل بالنسبة لتركيا أن تعيد توظيف عناصر المقاتلين الأكثر تشددا من "جبهة النصرة" وغيرها في سياق صراعات أخرى، أبرزها ليبيا (حتي ولو لم يكن بإمكانها ضمان استمرار عمل هذه العناصر تحت مظلتها وضمن إطار مصالحها ومصالح حلفائها في ليبيا)، خاصة أن روسيا (رغم دعمها للجيش الوطني الليبي) معنية في المقام الأول بتصفية بؤرة إدلب قدر الإمكان، والرغبة في تسوية الصراع في سوريا تتصدر قائمة أولوياتها وتتفوق من حيث الأهمية علي الحسابات الروسية الآنية والتكتيكية في ليبيا، خاصة إذا كانت تقديرات موسكو تشير إلي أن الدعم التركي لحكومة السراج لن يؤدي في كل الأحوال إلى تغيير ميزان القوي لصالح تلك الحكومة، وإنما سيحول دون سقوطها فقط...

موسكو ربما غير معنية بإنهاء الصراع في ليبيا أو حسمه لصالح الجيش الوطني الليبي الآن، خاصة أن استمرار المعركة يعني مزيدًا من عمل شركة "فاجنر" الروسية في إمداد معركة طرابلس بـ "المرتزقة" الروس.

باختصار يبدو أن التدخلات الخارجية في الصراع الليبي تتعاظم آثارها يومًا بعد الآخر، ومعها تتضاعف الخشية نتيجة تزايد حدة الاستقطابات الإقليمية والدولية حول هذا الصراع.

إعلان