إعلان

حول حل «الحشد الشعبي» في العراق

الدكتور جمال طه

حول حل «الحشد الشعبي» في العراق

جمال طه
09:00 م الثلاثاء 23 يوليه 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدى قرر إغلاق مقار الميليشيات المسلحة، داخل المدن وخارجها. وخيَّرهم بين الاندماج داخل الجيش، والخضوع للقيادة العامة، وقطع صلتهم بأي تنظيم سياسي، أو التحول لتنظيمات سياسية، تخضع لقانون الأحزاب، يحظر عليها حمل السلاح.
الميليشيات ردت بقصف مكثف بصواريخ الكاتيوشا للقصور الرئاسية بالموصل!

«الحشد» شكَّلَه المالكي منتصف 2014، بحجة تعبئة الجماهير للتصدي للغزو الداعشي، لكنه استهدف تشكيل قوة شيعية مسلحة، مثل الحرس الثوري.. توسعت بعد فتوى السيستانى، المرجع الشيعي الأعلى بالنجف، بوجوب «الجهاد الكفائي»، إلى 30 فصيلا، تضم 125.000 متطوع، بعضها مخلص؛ يؤدى خدمات الشرطة بالمناطق النائية. والآخر فاسد، يبتز المواطنين، وينتهك حقوق الإنسان، ما أشاع القلق لدى الطوائف الأخرى.

البعض رجح حصول المهدى على موافقة طهران المسبقة، لكن ردود الفعل الشيعية نفت ذلك. بعض زعماء الفصائل التزاموا بالقرار، مثل مقتدى الصدر، قائد «سرايا السلام»، وقيس الخزعلي، قائد «عصائب أهل الحق». والموالون لإيران «60.000 مقاتل» أعلنوا التحدي، بلوحات إعلانية بالعاصمة «الحشد عراقي.. الحشد باقي».

الصراع حاد في العراق بين أمريكا وإيران.. عقب إدراج واشنطن الحرس الثوري بلوائح الإرهاب، تقدمت الفصائل الموالية لطهران بمشروع قرار، صوت عليه البرلمان في مارس 2018، طالب الحكومة بوضع جدول زمنى لانسحاب القوات الأجنبية.. وخامنئي، المرشد الأعلى، حث المهدى على المسارعة بسحبها.. في المقابل بومبيو، وزير خارجية أمريكا قابل المهدى ببغداد في مايو، طلب وقف التبادل التجاري والمالي مع إيران، وحل «الحشد»، وحذر من نية الأخير استهداف المصالح الأمريكية.. تم تشديد الإجراءات الأمنية، وبدأت أعمال توسعة وتأمين قواعد «الحبانية»، و«عين الأسد»، و«سبايكر».. والخارجية الأمريكية سحبت موظفيها غير الأساسيين من السفارة ببغداد والقنصلية بأربيل.

العراق بين شقى رحى؛ في حاجة للبضائع والسلع وإمدادات الكهرباء والغاز من إيران، والأسلحة الحديثة وقطع الغيار من أمريكا، ولا يستغنى عن وجودها العسكري «7000 جندى»، الذى لعب دورا محوريا في حرب التحرير، ودورا أهم في إحداث توازن سياسي، يحول دون ابتلاع طهران لبغداد.

قرار الحشد صدر في تلك الظروف، المهدى يدرك أن الأوضاع لا تسمح برفض الطلب، كما لا تسمح بتنفيذه!، مجرد صدور القرار يحقق التوازن بين إرضاء أمريكا، وعدم إغضاب إيران.
***
قرار الحشد صدر لرفع الحرج عن الحكومة جراء تجاوزاته التي وصلت إلى حد دفع تشكيلات للحدود السورية تمركزت بالمواقع الاستراتيجية، المطلة على القوات الأمريكية، وعلى طرق تسمح بالتواصل البرى بين إيران وميليشياتها بسوريا.. دون التنسيق مع الدولة!

الجيش تدخل، وأجبره على الانسحاب، تولى تأمين المنطقة، وقام بتسليح أبناء 50 قرية عربية نائية غرب الموصل، للتصدي لهجمات بقايا «داعش» المفاجئة.

الأحداث تداعت مؤخرًا بشكل درامي.. قصف السفارة الأمريكية.. اقتحام السفارة البحرينية.. استهداف مواقع عمل شركات النفط الأمريكية بالجنوب، قصف قاعدة «بلد الجوية»، ومعسكر التاجي، التابع للجيش شمال العاصمة، حيث يتواجد مستشارون عسكريون أمريكيون.. وتم إحباط محاولة «الحشد» استهداف القوات الأمريكية باستخدام طائرات مسيرة.. وبدا بوضوح توظيف إيران له في مهام ضد واشنطن، على نحو اعتداءات الحوثيين ضد السعودية، ما أصاب الحكومة بالحرج، وطرح التساؤلات حول قدرتها على السيطرة على الأوضاع بالبلاد، لأن «الحشد» يخضع لقرار البرلمان في نوفمبر 2016، باعتباره ضمن المنظومة العسكرية للدولة، ويتلقى تمويلاً من ميزانيتها.
***
القرار واحد من أهم وأخطر ما تم اتخاذه في العراق خلال السنوات الأخيرة، لكن ذلك لا يعني قابليته للتنفيذ.
حيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، أصدر قرارا مماثلا مارس 2018، قضى بإدماج «الحشد» ضمن هيكلية مؤسسات الدولة. الفصائل اعتبرته اعترافا من الدولة، واستفادت مما كفله من تمويل، وتأمين صحي وتعويضات لعناصرها وضحايا عملياتها، لكنها رفضت الخضوع لسلطة وزارتي الدفاع والداخلية، وظلت دولة داخل الدولة، وامتد نفوذها السياسي إلى السيطرة على سُدس مقاعد البرلمان، وأصبحت قادرة على دفع وزراء للحكومة، والتدخل في عقود الأعمال العامة، وممارسة دورها كقوة ضغط لصالح إيران.

إشكالية «الحشد» من أخطر التحديات التي يواجهها العراق في تاريخه المعاصر.. ولد مع الغزو الداعشي، وتضخم وتمدد ليحل محله، ضمن مخطط إيراني لابتلاع المنطقة.. قرار المهدى بداية جيدة، يدعمها رفض شعبي لتجاوزات «الحشد» ضد المدنيين، وفساده، ويعززها توصية لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان فبراير الماضي، بسحب تشكيلاته من الموصل وباقي مدن محافظة نينوي، وتسليم الجيش ملفها الأمني.. الفصائل الشيعية التي دعمت القرار توفر مبررا وطنيا يسمح للدولة بفرضه، لكن إيران لن تفرط بسهولة في مرتكز نفوذها الرئيسي بالعراق.

معيار نجاح الحكومة في تنفيذ القرار من عدمه سيتضح من خلال طبيعة الإجراءات التنفيذية.. الحل الأمثل لسرعة إذابة «الحشد» داخل الجيش هو إعادة تجنيد متطوعيه كأفراد.. أما إذا تم ضمهم ككيانات موحدة داخل تشكيلات الجيش، فإن ذلك يحمل مخاطر جمة، تتعلق بازدواجية ولاء الفصائل للدولة العراقية، ولولاية الفقيه.. والأخطر إذا ما تم منح منصب رئيس هيئة «الحشد» وضعا سياديا، أسوة بوزيري الدفاع والداخلية، في هذه الحالة سيصبح «الحشد» حصان طروادة الذي سيمكن طهران من تفكيك الجيش العراقي.

تتبع عمليات الأيام الماضية يؤكد أن الكيان الخاص للحشد لا يزال قائماً؛ تشكيلاته قامت بتطهير 12 قرية شمال بغداد، مسنودة بغطاء جوى من طيران الجيش والقوة الجوية ضمن عملية «إرادة النصر».. فرقة العباس التابعة للواء الحشد 26 تولت حماية طريق عرعر الحدودي، لتأمين سفر الحجاج إلى مكة.

طائرة مسيرة مجهولة المصدر قصفت معسكرًا تابعًا لكتائب حزب الله، ضمن قوات الحشد جنوب كركوك.. مديرية الإعلام التابعة له هاجمت العبادي، بسبب حديثه عن مخالفات الحشد خلال رئاسته الوزراء.. يبدو أن الأمر حتى الآن لم يتجاوز عملية التنسيق، ومن المبكر الحكم على مدى فعالية القرار في دمج الحشد بالجيش.
***

إشكالية الحشد الشعبي تمتد لتشمل الحشد العشائري، الذي شمله القرار، وكذا البشمركة الكردية التي لم ينص عليها! رغم أنها تمارس صلاحيات الجيش بالمناطق الكردية، وترفض الخضوع لسلطة بغداد، وتقوم بعقد اتفاقات تدريب وتسليح مع دول أجنبية.

معركة تحرير الأرض من داعش كانت تحديًا كبيرًا.. لكن مرحلة استرجاع سلطة الدولة على كل أراضيها هو التحدي الأكبر الذي نأمل نجاح السلطات العراقية في مواجهته.

إعلان