إعلان

وردة والعفة

أمينة خيري

وردة والعفة

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 01 يوليو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يعلم الله أنني قاومت، وناضلت، وحاولت ألا أكتب عن السيد عمرو وردة وتحرشه الوسطي الجميل، والملائكة ذات الأجنحة التي هبطت علينا من اليمين واليسار، تارة تستشهد بآيات قرآنية تدعو إلى التسامح وقبول التوبة، وأخرى تلعن سلسفيل الشابة التي تم التحرش بها.

والحقيقة لا أرى أية مصادفة في كون اللاعب الشاب عمرو وردة ابنًا للاعب مدحت وردة، أول لاعب سلفي أتت به الملاعب في ثمانينيات القرن الماضي، وقتها فتحت مصر ذراعيها لتيارات التدين المظهري، التي دغدغت مشاعر المصريين.

مشاعر المصريين التي استقبلت "سلفنة" الملاعب والمجتمع بصدر رحب، لم تجد ما يقومها أو يعدل مسارها من ثقافة مصرية أصيلة أو فنون تنقي الروح وتنظف القلب من الغلظة والتجهم والعنصرية والفصام الذي ضرب مصر في مقتل.

وسبب انهيار مقاومتي السالف ذكرها للخوض في قصة وردة هو حدث "عادي" دارت وقائعه خلال الساعات القليلة الماضية كان من شأنه إعادة تأليب المواجع وتقليب المفاهيم التي صارت مغلوطة من ألفها إلى يائها.

في مدينة سكنية حديثة يفترض أنها راقية تحرش عمال محل تجاري بزوجة أحد السكان، وتم توثيق الواقعة عبر تدوينة على صفحة المدينة. هنا تفجرت ينابيع إيمان الثمانينيات، وتدفقت مظاهر التدين عبر اللحية والجلباب والنقاب، وهتفت الجماهير في صوت واحد "أكيد لبسها مستفز وعيب على زوجها يتركها هكذا".

وفي هذا الصدد أوضح عدة نقاط:

أولًا- إن أيا من الجماهير المهسهسة دينيًا لم يرَ الزوجة أو زوجها.

ثانيًا- إن الغالبية المطلقة للمهسهسين لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى أخلاق المتحرش الوضيعة أو فعلته الحقيرة، لكنهم صالوا وجالوا في شئون "الديوث" و"المحارم التي تخرج دون رجل بمعنى الكلمة" و"العري الذي ضرب مصر وتسبب في خرابها" و"النقاب ومحاسنة" و"الخمار ومآثره" و"الحجاب وفضائله".

ثالثا- إن كل من علق معترضًا بأن الملابس حرية شخصية ناله من عبارات "اتقِ الله" و"انتوا عايزين الستات تمشي عريانة" و"التحرش حلال فيمن لا تراعي قواعد الحشمة".

رابعًا- لم يفكر هؤلاء المتدينون الملتزمون المتعففون المطالبون بتغطية المرأة حفاظًا على هرمونات الرجل من الطفح بأن فعل التحرش لا يخل بشرف المرأة، بل يخدش ويجرح ويكسر شرف الرجل.

الرجل المتحرش ظل في عرف الثقافة المصرية متأرجحًا بين المتحرش الكيوت الذي يسمع الضحية كلمات يصفونها بالغزل من "قشطة" و"عسل" وقمر"... إلخ، والمتحرش الذي أخطأ العنوان؛ حيث تحرش ببنات حارتنا وهذا لا يصح، أي أن التحرش مقبول في حارات أخرى، وبين المتحرش الذي لا يحق له أن تمتد يده إلى الضحية أو يفتح فمه بأية عبارات أو يثقب جسد المرأة بالنظرات، وهذا المفهوم الأخير ما زال مقتصرًا على قطاعات ضئيلة جدًا من المصريين.

وتجدر الإشارة إلى أن سلفنة المجتمع أسهمت بقدر هائل في تبرير التحرش وإعطائه غطاءً شرعيًا. أحد المكونات الرئيسية في موجات سلفنة مصر هو "شيطنة المرأة". ولذلك تطغى على أحاديث المتسلفنين قضايا النكاح والجماع والشهوة والفتنة والعورة. وحيث إن الرجل لا يتعدى كونه هرمونات وغرائز غير خاضعة للسيطرة، والمرأة عورة وشهوة وبوتقة للمتعة، فإن هذا الرجل المسكين مسلوب الإرادة ضحية دائمًا وأبدًا، خصوصا إن كانت رياح السلفنة قد هبت على بيته بأي شكل من الأشكال.

اللاعب وردة ضحية، ويكفي أن والده قدم لنا الشورت الشرعي، ورفع المصحف بديلًا عن الكأس. تكبير.

السيدة المتحرش بها تستحق ما جرى لها؛ لأنها حتمًا استفزت الرجال مسلوبي الإرادة بملابسها وزوجها ديوث. تكبير.

حجابي عفتي، ومن ثم فإن من لا ترتدي الحجاب منزوعة العفة. تكبير.

وطالما بقي القانون في غيبوبة، وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرة طليقة، فسنظل في كنف أحكام الأفراد (وربما أفعالهم) على بعضهم. تكبير.

إعلان