إعلان

 وثيقة مكة التي تحتفي بالإنسان!

سليمان جودة

وثيقة مكة التي تحتفي بالإنسان!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 02 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

امتلأت وثيقة مكة التي صدرت قبل أيام، بالكثير من المعاني الإنسانية العظيمة، التي لا بد من الترويج لها ونشرها على نطاق واسع، خصوصاً بين الذين لا يعرفون اللغة العربية خارج منطقتنا، لعل العالم يعرف أن هذه المنطقة ليست كلها إرهاباً، وليست كلها تطرفاً، وليست كلها عنفاً، وإنما فيها عقول تحتفي بكل ما هو إنساني بطبيعته، وتضعه حيث يجب أن يوضع في علاقات الناس!

فما هي هذه الوثيقة، وما هي القصة بالضبط؟!

القصة أن مدينة مكة المكرمة شهدت ثلاث قمم انعقدت فيها خلال آخر يومين من شهر مايو، وكانت القمم الثلاث بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكانت موزعة بين قمة خليجية انعقدت أولاً للبحث في كل شأن يخص الدول الخليجية الست، وقمة عربية انعقدت ثانياً وتشاورت في عموميات الشأن العربي، ثم قمة إسلامية انعقدت ثالثاً واحتضنتها منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم في عضويتها بلاد العالم الإسلامي على امتداده، من إندونيسيا في أقصى الشرق، إلى المغرب في أقصى غرب العالم العربي!

وقد استبقت رابطة العالم الإسلامي موعد انعقاد القمم الثلاث، وبالذات القمة الثالثة، فدعت إلى مؤتمر دولي كانت قيم الوسطية والاعتدال هي موضوعه الأساسي وهي عنوانه، وقد حضره ١٢٠٠ شخصية عامة، جاءوا جميعاً من ١٣٩ دولة، وكانوا معنيين بإصدار وثيقة تعزف من أول كلمة فيها إلى آخر كلمة، على معنى هذه القيم، وعلى ضرورة أن تسود وتنتشر بين كافة الناس، بصرف النظر عن ديانة كل واحد، وعن جنسيته، وعن لونه، وعن كل ما يجعله مختلفاً عن الآخرين!

فمما جاء في مضمون الوثيقة، مثلاً، أن الاعتداء على دور العبادة عمل إجرامي يتطلب الوقوف في طريقه بحزم تشريعي لا يقبل القسمة على اثنين، وبضمانات سياسية وأمنية لا تعرف الفصال، وأخيراً التصدي بقوة لكل الأفكار المحرضة على أي اعتداء من هذا النوع!

ومما جاء فيها كذلك، أن البشر على اختلاف مكوناتهم ينتمون إلى أصل واحد، وأنهم متساوون في إنسانيتهم، وأن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية يجب أن يكون طريقاً إلى شراكة حضارية لصالح الإنسان كإنسان، لا سبباً من أسباب احتدام الصراع بين شركاء المجتمع الواحد!

هذه هي بعض المعاني السامية التي احتوتها الوثيقة، وهي وثيقة تسلم الملك سلمان نسخة منها في حفل انعقد خصيصاً للإعلان عنها، وعن مضمونها الذي تبدو المنطقة أحوج ما تكون إليه، ويبدو العالم كذلك من وراء المنطقة أحوج ما يكون إليه، وإلى أن يكون هذا المضمون دستوراً في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان!

والشيء الذي يدعو إلى التفاؤل، أن الوثيقة لا تتحدث عن علاقة بين مسلم ومسلم، على سبيل المثال، ولا حتى بين مسلم وغير مسلم في أي منطقة من العالم.. لا.. فهي ليست معنية بالتفتيش عن دين هذا، أو ديانة ذاك، إنها معنية بالبعد الإنساني في كل علاقة بين أي شخصين في أي مكان من هذا العالم، فكأنها وثيقة تعود بالعلاقة أياً كان أطرافها، إلى فطرتها الخالصة الأولى!

إنني أعود في مثل هذه الحالة إلى القصة التي تروي أن النبي عليه الصلاة والسلام، قد وقف يوماً لجنازة مرت من أمامه، وكان الميت رجلاً يهودياً، فلما نظر إليه بعض أصحابه في انتظار أن يبين لهم فلسفته فيما فعل، كان جاهزاً فقال: إنها جنازة لإنسان!

وكان المعنى أن احتفاءك بالإنسان لا يجب أن يكون على أساس دينه، ولا لونه، ولا جنسيته، ولا قبيلته، ولا شيء من هذا أبداً، لكن لأنه في الأصل إنسان!

إنسان وفقط.. فهذا هو المداد الذي كتبوا به تلك الوثيقة، وهذا هو السر الذي يستطيع الإبقاء عليها حية تتحرك في كل وقت، غير أن ذلك يبقى في انتظار أن يجد مدادها من جانب كل واحد فينا، ترجمة عملية لمعانيه في الواقع الحي!

إعلان