إعلان

المظلومون منَ الشَّخيرِ

د. براءة جاسم

المظلومون منَ الشَّخيرِ

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 25 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا أظنُّ أنّ هناك أحدٌ منا ليس لديه في أسرتِه أحد يعاني من الشخير. حالاتٌ كثيرةٌ يصعُبُ حصرُها وأسرٌ تعاني يوميًا من هذه المشكلة التي قد تصلُ إلى هدم زيجاتٍ كثيرة، أو فشلٍ عملي و/أو دراسي، أو تشخيصٍ خاطئٍ لبعض الأطفال.

لن أدخلَ في تفاصيلِ أسبابِ "الشخير" فليسَ هذا الهدفُ من المقال، لكني سأكتفي بذكرِ بعض الأسباب، فهو نتيجةٌ لمشاكلَ في الجيوب الأنفيّة، أو الحساسية، أو تناولِ الكحوليات، أو التدخين، أو زيادة الوزن، أو تناول بعضِ الأدوية، أو غير ذلك من الأسباب التي يطول شرحُها. أمَّا بالنسبة للعلاج فيتراوحُ بين أمورٍ لا علاقةَ لها بتناول الأدوية كالتقليلِ من الوزن أو تغيير طريقةِ النوم، أو أمورٍ أخرى تتعلق بتناول أدوية محددةٍ وأساليب علاجية قد تصل إلى إجراءِ عملياتٍ جراحية.

والمشاكلُ الناتجةُ عن الشخير كثيرةٌ منها العضويُّ والنفسي، وتزدادُ هذه المشاكلُ تعقيدًا إذا كان من يعاني الشخيرَ من فئة الأطفال أو المرتبطين.

وتشيرُ الدراساتُ إلى أن ١٢% من الأطفال ما بين سن ١- ٩ سنوات يعانون من الشخير، وهو ما يؤثرُ في نومِهم مسببًا اضطراباتٍ في النوم نتيجةً لصعوبة التنفسِ بشكلٍ طبيعي، فتعاني الأمهاتُ حين يوقظنَ أطفالهنَّ صباحًا، كما ينعكسُ اضطرابُ نوم الطفل عليه على مدار يومِه، فبعض الأطفال يعانونَ فرطَ الحركةِ حين لا يحصُلون على كفايتِهم من النوم، وذلك على العكس تمامًا مما يتوقعه بعض الناس من حدوث حالةٍ من الإرهاق أو الهمدان، ولقد أشارتْ دراساتٌ أخرى إلى أن بعض الأطفال الذين شُخّصت حالاتهم بالـ (ADHD) كان التشخيص بها خاطئًا، بعد أن تبيّن أن المشكلةُ الحقيقية هي "الشخير"، فعولجت المشكلة بعلاج سبب "الشخير". وعلى جانبٍ آخر نجدُ من يعاني الإرهاقَ الشديدَ فيُتَّهمُ بالكسل وقلة التركيز، بينما السبب هو عدم كفايةِ النوم. كذلك، فإن "الشخير" قد يؤثّرُ في مستوى الذكاءِ فيقلله أو يقلّل القدرةَ على تعلّم أشياء جديدة فيسببُ مشاكل دراسية، كما يؤدي إلى مشكلاتٍ سلوكية كالعنف أو المزاج السيء... إلخ، فتتحولُ حياةُ الطفلِ وأسرتِه إلى دائرةٍ مفرغةٍ لعينة قد لا تتوقفُ إن لم تضعِ الأسرةُ يدَها على السّبب الذي قد يبدو للبعض بسيطًا، بينما الأهل لم يلاحظوا مشكلةَ ابنهم الحقيقية وهي "الشخير"، فيُظلمُ الطفل باتهامه بسلوكيّات سلبية بينما هي غير مقصودة أصلا.

أما بالنسبة للأزواج فتشيرُ بعضُ الدراسات إلى أن كثيرًا من الأزواج لا يعرفونَ أنهم يعانون "الشخير" أو ربما ينكرون ذلك الأمر حين يخبرُهم أزواجهم به، وأن من يعانون من الشخير بالكاد يحصلونَ على بضع ساعاتٍ من النوم المتقطّع، وأن شخصًا من بين ثلاثةِ أشخاصٍ يؤثرُ إرهاقُهم وعدمُ نومِهم على أدائِهم في العمل. أضف إلى ذلك قلةَ التركيز، والتعب على مدار اليوم، وزيادةَ نسبة تعرضهم إلى حوادثِ السير بسبب عدم كفاية النوم، والضغط العصبي والنفسي، فتزداد نسبة إصابتهم بأمراض القلبِ والجلطةِ، والإصابة بالاكتئاب، وغيرها الكثير من الأمراض العضوية والنفسية.

وتكمنُ الصعوبةُ في وجود زوج يعاني من الشخير في أنَّ كلا الزوجينِ يحرمان من النوم، مما يؤثرُ عليهما، بل قدْ يكونُ التأثيرُ الأكبر فيمن لا يعاني المشكلة، ذلك أنه يضطر إلى البقاءِ متيقظًا يسمع صوت شخير زوجه طول الليل، وربما لا يملكُ كثيرٌ من الأزواجِ رفاهيةَ النومِ في غرفةٍ أخرى.

وفي كثيرٍ من استطلاعات الرأي يذكرُ الشريك الذي يعاني "الشخير" أن أصعبَ اللحظاتِ هي ما قبلَ الخلودِ إلى النوم، فإذا به، قبيْلَ أن يتعمق في النوم، تدور برأسه أفكار كثيرة تجاه شريكه مثل: "كم أكرهُك".. "مللتُ حياتي".. "ليلةٌ أخرى صعبة".. "سأضطر لتحريكه الآن"، كما يعترفُ معظمُهم أيضًا بأن هذه اللحظات هي أكثرُ اللحظات التي يفكرون فيها في اتخاذ قرار الطلاق جديًّا.

وربما يرى بعضُ الناس ممن لا يعانون "الشخير" في أنفسهم أو في أزواجهم أن المسألة أبسط من ذلك بكثير، أو أنه لا ينبغي أن تأخذ أكبر من حجمها، لكن الحقيقةَ أن الأمرَ يستحقُّ البحث والعلاج، والشيءُ المبشّر أنه قد أصبحَ لهذه المشكلةِ المؤرقة علاجات متعدّدة فإن كنت ممن يعانونها فلا تترك نفسكَ أو شريكك دون علاج حتى تنعمَ بنوم هادئ وحياةٍ أفضل.

إعلان