إعلان

الرئيس في واشنطن.. دواعي القلق وعناصر القوة !

محمد حسن الألفي

الرئيس في واشنطن.. دواعي القلق وعناصر القوة !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 09 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ربما كانت الدعوة التي تلقاها الرئيس عبدالفتاح السيسي، في غير أوانها، لزيارة واشنطن، للمرة الثانية، ولقاء ترامب للمرة السادسة- أحد الأسباب الرئيسية لما يساور المصريين من وساوس.. وشيء كثير من القلق. فالتوقيت لم يعتده المصريون، ومن ثم كانت الدعوة لأمر ما (بخلاف تكريم السادات في الكونجرس)، هذا "الأمر ما " هو الغموض الذي يقلق المصريين.

من ناحيته، فإن البيت الأبيض، أعلن أن الزيارة تتناول ثلاثة ملفات أساسية:

أولها- ترتيب أولويات المنطقة.

ثانيها- تعزيز الشراكة الاسترتيجية، وتلك تتضمن التعاون العسكري الوثيق، والتعاون الاقتصادي والاستثمارات.

ثالثا- ملف الإرهاب.

كل ملف له تفاصيله، ومغزاه ونتائجه أو عواقبه، فملف الإرهاب بالنسبة لواشنطن يعني الحرب على إيران، وملف الإرهاب بالنسبة لمصر يعني الحرب على مطاريد الدواعش من سوريا إلى ليبيا، وربما النقطة الأخيرة تفسر التعجيل بمعركة طرابلس التي صارت مأوى الدواعش الذين خرجوا بسلام باتفاقات صامتة مع الإدارة الأمريكية نفذتها القوات الكردية الموالية لواشنطن في الشمال السوري المحاذي لتركيا.

لكن ليست هذه هي النقطة الجوهرية، رغم خطورتها وأهميتها بالنسبة للأمن القومي المصري، فالملف الأخطر هو ملف ترتيب أولويات المنطقة. ويمكنك أن تسميه إعادة رسم علاقات دول المنطقة، مصر والخليج والأردن بإسرائيل، فيما يتعلق بكيان الشعب الفلسطيني؛ بحث ترتيب الأولويات وتسوية القضية الفلسطينية وضم الضفة الغربية وإعلان سيادة إسرائيل عليها بالقهر أو بالقبول، وفقا لتصريح نتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية التي من المرجح أن يفوز فيها، يأتي في توقيت سماوي (لا أريد أن أقول إلهي) بالنسبة للطرفين، الأمريكي والإسرائيلي:

فالرئيس الأمريكي في حالة استشعار مطلق بالقوة والمناعة القضائية، بعد إفلاته من تهمتي التواطؤ مع روسيا ليفوز بانتخابات الرئاسة ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، أو تهمة عرقلة العدالة. برأه تقرير روبرت مولر المحقق المستقل بكلمة واحدة: لا دليل! رغم الشكوك، وخصوصا في تهمة عرقلة العدالة !

إحساس ترامب بالتحرر من التحرش السياسي الجنائي به سيطلق يده في دعم إسرائيل ودعم مكانته، تطلعًا لدورة رئاسية تالية.

من ناحية أخرى، نتنياهو حصل على ذخيرة سياسية كاسحة من ترامب، ضمن بها الفوز في الانتخابات الجارية. منحه السيادة على الجولان السورية المحتلة، ومنحه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومنحه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنحه إغلاق المكاتب الفلسطينية في واشنطن، ومنحه قطع المساعدات المالية للحكومة الفلسطينية!

دعم غير مسبوق.. ثم ضغط على إيران لدرجة إعلان جيشها، الحرس الثوري، منظمة إرهابية !

أما الملف الثالث (تعزيز الشراكة الاستراتيجية) فسيكون رهنا بنتائج النجاح والموافقة أو التوافق على ترتيب أولويات المنطقة... على حل يصفي القضية الفلسطينية من جذورها وفقا لرؤية ترامب .

مفهوم بالطبع أن هذا كله موقف ترامب، وهو ما يراه وما يفهمه، بل ما يعرفه ويتحسب له رئيس مصر في زيارته الحالية لرئيس جامح جانح "مستعفى" .

ما هي عناصر القوة التي يذهب بها رئيس مصر لمواجهة ملف ألغام بعنوان ترتيب أولويات المنطقة؛ بحيث يكون الخطر الإيراني الإرهابي أسبق في سلم الأولويات من ضرورات الضغط على إسرائيل وحل القضية الفلسطينية؟

وهل يحتاج الرئيس أصلا لعناصر قوة؟ السؤال الأخير يبدو ساذجا في مواجهة بيئة دولية وأمريكية متغيرة ومتفجرة، يمسك فيها لاعب واحد بكل الخيوط، هو الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أبعد الخارجية ووكالاته الاستخباراتية عن إرادته في الفعل إذا أراد!

نعم لا بد لأي رئيس من حيازة عناصر قوة، ومن حجج، ومن أوراق ضغط مضادة. نجح كيم جونج أون في كبح جماح ترامب، بالورقة النووية الصاروخية، وأثار إعجاب ترامب شخصيا حتى إنه رفع العقوبات عن كوريا الشمالية متجاوزا حكومته. إعجاب ترامب بالرئيس السيسي سابق على دخول ترامب مكتبه البيضاوي وحصوله على منصب الرئيس لأكبر وأقوى دولة في العالم.

سبب الإعجاب قوة الرئيس ونجاحه في الحفاظ على الدولة المصرية. نفس سبب إعجاب ترامب بالرئيس الروسي بوتين، بل نفس سبب إعجاب بوتين نفسه كجنرال مخابراتي، بالسيسي كجنرال مخابرات، أدار وطنه، وحافظ على شرفه في وقت تداعت عليه كل جحافل الإرهاب والخونة .

إذن أول عناصر القوة التي بحوزة الرئيس الاحترام والتقدير لشخصه، وشخصيته كرجل دولة قوى ممسك بزمام الأمور في دولته ومؤثر في منطقته.

العنصر الثاني من عناصر القوة هو قرار القمة العربية الأخيرة، رقم ٣٠، فيما يخص الموقف العربي من تسوية القضية الفلسطينية، والجولان.

التمسك بحل الدولتين على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧، والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ورفض قرار ترامب بشأن اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان؛ لأنه انتهاك للقانون الدولي.

من عناصر القوة أن الشراكة الاستراتيجية قامت منذ ثورة الثلاثين من يونيو على مبدأ الندية والاحترام المتبادل للمصالح، ولا إملاءات، ولا ضغوط. من ناحيتها فتحت مصر علاقات مماثلة في الأهمية الاستراتيجية مع روسيا ومع الصين ومع فرنسا ومع ألمانيا، وكان وزير الخارجية الروسي لافروف بالقاهرة عشية سفر الرئيس.

الرشادة والبراجماتية المصرية في إدارة العلاقة مع إسرائيل على مدى أربعين عاما، وتبادل المنافع الأمنية في مواجهة الإرهاب في الشريط الحدودي بسيناء- تمنحان الرئيس أيضا ورقة ثقة لدى المفاوض الأمريكي بالنيابة عن إسرائيل!

أخطر ما في هذا الأمر هو تحويل الاهتمام من القضية الفلسطينية إلى تجنيد المنطقة لحساب إسرائيل، بدعوى صحيحة هي الإرهاب الإيراني.

نعم، إيران إرهابية.. لكن إسرائيل أيضًا.. لص أراضٍ بحماية أمريكية! وعريقة في الإرهاب.

إعلان