إعلان

الداعشيات العائدات لسنَّ دوما ضحايا

د. إيمان رجب

الداعشيات العائدات لسنَّ دوما ضحايا

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 29 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بالتزامن مع استسلام نساء وعائلات أعضاء تنظيم داعش في الباغوز في دير الزور بسوريا وانتقالهم إلى مخيم الحول الدولي في الحسكة، حرص العديد من وسائل الإعلام الغربية على تصوير أفلام توثيقية تركز على المرأة في صفوف داعش، لا سيما وأنهن يمثلن والأطفال 90% من إجمالي الموجودين في المخيم، ومن هذه الأفلام ما يستند إلى مقابلات مع بعض هؤلاء النساء ومنها تلك التي صورها كوينتين سوميرفيل Quentin Sommerville مراسل الـ"بي بي سي" في منطقة الشرق الأوسط.

ما توثقه تلك المقابلات يكشف عن مجموعة من الحقائق، أولها أن النساء في صفوف داعش، سواء الأجنبيات أو السوريات العراقيات عددهن أكثر بكثير مما قدر من قبل جهات عدة، فعلى سبيل المثال قدرت قوات سوريا الديمقراطية عدد من تبقي من أسر الدواعش في الباغوز بما يتراوح بين 1500 و2000، ولكنه تبين عند خروجهن من الباغوز إلى مخيم الحول أن هناك 11 ألف شخص ما بين نساء وأطفال، كما كان عدد المقيمين في مخيم الحول الدولي 11 ألفًا ولكنه بلغ 70 ألفًا مطلع أبريل الجاري، وبالتالي كل ما نشر من تقديرات حول نسب المرأة في صفوف داعش في العراق وسوريا في فترات سابقة لا يعبر عن الحقيقة كاملة.

الحقيقة الثانية أن المرأة في صفوف داعش ليست ضحية دوما. صحيح أن هناك من النساء اليزيديات من أخذن عنوة كعبيد وتم نقلهن قسرًا لأماكن تمركز التنظيم منذ نشأته في 2014، أو من اضطرت للانتقال مع زوجها الذي قرر الانضمام لداعش وبالتالي كانت مرافقة لإرهابي وليست إرهابية، أو من حاولت الهرب والعودة مبكرا لوطنها ولكنها منعت من قبل التنظيم، لكن هناك أيضًا النساء اللواتي خرجن من دولهن بإرادتهن وبعد اقتناعهن بأفكار التنظيم المتطرفة، وبعد دخولهن انضممن لكتيبة الخنساء من أجل التدريب على أسلوب القتال الداعشي وكذلك منهن من لعبن دور في تنشئة أطفال داعش لا سيما الذين ولدوا في أرض التنظيم أو وصلوا لسن البلوغ أثناء فترة وجودهم هناك، ومنهن أيضا من لعبن دورا في الإبقاء على النساء في صفوف التنظيم وجذب المزيد منهن من دول عدة من أجل إضفاء بعد إنساني على التنظيم من خلال السماح بتشكل عائلات وأسر داعشية تعيش في كنف التنظيم.

الحقيقة الثالثة أن المرأة الداعشية قد تكون أكثر تطرفا من الرجل الداعشي، وقد يرتبط استمرار تأثير أفكار التنظيم خلال الفترة المقبلة بالدور الذي يمكن أن تلعبه هؤلاء الداعشيات بعد خروجهن من المخيمات وعودتهن لدولهن أو خروجهن لدولة ثالثة. حيث لم تتردد النساء الداعشيات الموجودات في مخيم الحول عندما تم سؤالهن عن ماذا بعد؟ عن ترديد مقولات من قبيل "لم نهزم.. وهذا امتحان من الله"، "سنعود للجهاد مرة أخرى"، فضلا عن عنفهن تجاه حراس المخيم والصحفيين الأجانب الذين حاولوا تغطية ما يجري في المخيم، وذلك رغم الظروف السيئة الموجودة في المخيم، حيث ألقوهم بالحجارة ولقبوهم بـ"الكفار".

إلى جانب ذلك، عندما سُئلت إحدى النساء الداعشيات في المخيم، وهي من أصول مغربية وتحمل الجنسية البلجيكية هل ستعتذرين عن الهجوم الذي نفذه داعش ضد مطار بلجيكا في 2016؟ ردت بأنها ليست في حاجة لذلك. ومن المهم هنا الإشارة إلى تمسك من تمت مقابلتهن من قبل كوينتين سوميرفيل في مخيم الحول بأزواجهن الأعضاء في التنظيم، وحرصهن على التأكيد على أنهن في انتظارهم حتى يعودوا.

الحقيقة الرابعة تتعلق بأن وجود هؤلاء النساء في الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، وعيشهن في ظل القواعد التي وضعها التنظيم واللاتي ساهمن في فرضها بشكل أو بآخر، خلق نوعًا من الترابط بينهن استمر بالنسبة لجزء كبير منهن لمدة ست سنوات مليئة بمواقف انتصر فيها التنظيم ومنحهن وضعية متميزة كزوجات لقيادات التنظيم وكـ"مجاهدات" كما يعتقدن، وهذا يفسر ما رددنه من عبارات من قبيل "نحن نساء الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.. الله أكبر" أثناء خروجهن في جماعات من الباغوز، وقد يستمر هذا النمط من العلاقات بعد خروجهن لدولهن أو لدولة ثالثة على نحو قد يطرح إشكاليات محددة في المستقبل.

إعلان