القريب منك.. بعيد!

الطب رسالة قبل ما يكون مهنة، والطبيب إنسان قبل ما يكون معالجًا، وقليل جدا من الأطباء اللي بيتعامل مع مرضاه بمهنية بس، وبينسى إن ممكن هو كمان يصبح حالة في يوم من الأيام .
طبيب العيون- مثلًا- ممكن يرتدي نظارة طبية لتصحيح قصر أو طول النظر، وقصر النظر حالة العين فيه لا ترى البعيد، أما طول النظر، فهو الحالة اللي العين فيه لا ترى القريب.

والصراحة مش العين بس هي اللي ممكن تصاب الإصابة دي، إحنا نفسنا كأشخاص ممكن (بل غالبًا) ما بنشوفش ولا نشعر بالقريب مننا أو الملاصق لنا.

ساعة اليد- مثلا- طول ما هي على معصم اليد ما بنشعرش بيها، لكن أول ما بنحتاج نخلعها بنحس بوجودها أكيد، برضه دبلة الخطوبة أو الزواج وهى في أصابعنا ولا بنفتكرها،.. ودا كله بالنسبة للماديات، أما بقى العلاقات الاجتماعية فالمشكلة بتكون أكبر وأعمق بكتير..!

تخيل كدا إن أقرب إنسان منك هو اللي ممكن ما تكونش شايفه نتيجة لقربه دا واللي ممكن يكون وصل لحد الالتصاق..!
وللأسف دا بيخليك تتعامل معاه على إنه إنت نفسك، وبما إن كتير مننا ما بيهتمش بنفسه أصلاً، فبالتالي مش هيهتم بالقريب منه، يعنى حالة كدا تشبه الإصابة بطول النظر، البعيد متشاف والقريب..!
كتير بنتفاجئ إن طرفين كانوا متعلقين جدًا ببعض انفصلوا بشكل عجيب، وبنسأل نفسنا إزاي ممكن دا يحصل، وهما كانوا قريبين جدًا من بعض؟!
عشان كدا أنجح العلاقات هي اللي بيكون أطرافها على مسافات، تمكنهم من رؤية بعضهم بوضوح، ودا برضه بيضمن للعلاقة مش بس نجاحها، لا دا كمان استمرارها لفترة طويلة جدًا.
وكمان من ذكاء أطراف العلاقة إنهم رغم وجود المسافة دي إلا إنهم لا يمكن يشعروا بعض بها، وبالتالي كل اللي حواليهم ما بيشعروش أبدًا إن المسافة دي موجودة.
بالتأكيد مش كلنا عندنا القدرة على حساب المسافات كويس، وخصوصًا الأشخاص اللي بنسميهم مشاعريين، يعنى الأشخاص شديدي الحساسية، وبرضه هو الموضوع مش بالسهل كدا تحقيقه؛ لأن حتى لو إنت قدرت تقدر المسافة بينك وبين الطرف التاني، ممكن الطرف التاني نفسه يكون ماعندوش القدرة على دا، وفى الوقت دا بيكون صعب عليك جدا تخليه يسلك نفس سلوكك لأنه ممكن يختلط عليه الأمر ويشعر إنك بتحاول تبعده عنك أو بتحاول تبعد إنت عنه.
يا ترى.. زي ما النظارة الطبية بتصحح لنا الرؤية من أي مسافة.. ممكن نلاقى حل يصحح لنا رؤية العلاقات حوالينا؟!
ووقتها لا يمكن يكون.. القريب منك.. بعيد.
دمتم في أمان الله.