إعلان

الترف والضرورة.. عن النجوم والثقوب في ساحات السوشيال ميديا

د.هشام عطية عبدالمقصود

الترف والضرورة.. عن النجوم والثقوب في ساحات السوشيال ميديا

د. هشام عطية عبد المقصود
08:59 م الجمعة 01 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فى عالم اتسع كثيرا عن حدود خبراتنا الذاتية وقدرتنا على معرفة ما يجري، دخلت وسائل الإعلام ثم أدوات التواصل الإجتماعى لتشكل نوافذ ومنصات ومرايا لمعرفة الأحداث فى العالم، وفى الصراعات والأزمات تزيد مساحة الإعتماد، وهكذا تكون وسائل الإعلام أكثر تأثيرا ونفوذا، صانعة للصور ومؤطرة للسياقات وسمات الفاعلين، لم تعد مجرد أدوات صراع، بل تخطت ذلك لتكون ساحات ومجالات لإدارة الصراعات، يفوز فيها الأكثر فاعلية وكفاءة وقدرة على عرض قضاياه، حيث ينصت العالم لهم أكثر وتتشكل قناعات وأفكار وتوجهات مؤثرة إقليميا ودوليا.

ومن ساحة الإعلام والإتصال تتشكل مواقف وتتدعم أو على العكس تغيب قضايا عادلة لم يعرف أصحابها أن كون القضية عادلة فى ساحة يحتكر بناء صورها وتشكلاتها الإعلام مع تغلغل مستمر للسوشيال ميديا التى تتدخل نقلا وتجزئة وتأطيرا وتلوينا بل وإعادة بناء كلى، فإن لم يتم التواجد والحضور المؤثر اختفيت، وانتشر المشوه وهيمن.

لن يعرفك العالم الممتد، ذلك الذى صار قابعا منعزلا خلف شاشات الحواسيب والهواتف الذكية ولن يصله صوتك إن لم تدخل فاعلا كدولة ومؤسسات، وبغياب ذلك لن تضمن على الأقل وجود صوتك ومواقفك ناهيك عن تسييد رؤيتك للأحداث، وهكذا صنع الإعلام الدولى ثم السوشيال ميديا بعولمتها الجديدة أبطالا وخاسرين، وأظهر نجوما ساطعة وثقوبا سوداء، وعلى موجتهما صارت أيضا تتحدد مكانة الدول والرموز والمجتمعات فى ساحات الصراع على اكتساب المكانة والنفوذ التى تبدأ وتستمر فى أحيان كثيرة على ساحات مجالات تفاعلهما الواسعة والمعولمة، فتتشكل اتجاهات وتمضى، وهكذا صار العالم صورا ورموزا تدعمها كفاءة الإبداع والتواجد الكفؤ على ساحات الميديا ومجالات السوشيال، مدعومة بنماذج وتحققات فى الواقع وقدرة على دحض ما ينافى ذلك ويتقاطع معه تعارضا.

فى تقرير نشره موقع Columbia Journalism Review وتضمن صورة - تُبين كيف غيرت منظومة دخول سيلفى الموبايل الجمهور، وأتاحت له تواجدا مهيمنا عبر ساحات السوشيال فى كل وقت ومكان، وتوضح شغف الجمهور الجم بصناعة الإعلام وإدمانه الدخول فيها فاعلا عبر ساحة السوشيال ميديا، الصورة تظهر كيفية تعامل الجمهور العادى والصحفيين أنفسهم وما أحدثته الموبايلات فى بناء نفسية التعامل حتى مع الحروب ومشاهد الدمار، وهى صورة سيلفى بالقرب من موقع بترولى اشعلت فيه داعش حريقا أثناء هزيمتها وتقهرها فى العراق، تقول لنا أن رجلا وسط كارثة حريق ضخم ومخاطره عُنى بتصوير ذاته وسط كل هذا الخراب، إنه إبهار البث والشير وتلك « النداهة» لأدوات التواصل.

وهكذا تدخل السوشيال ميديا مجال النفوذ، ليس كفعل فردى وفقط بل تستخدمه الدول والقوى المختلفة، والمسألة ليست ترفا ولا مجرد مشاركة صورية، بل ضرورة صارت تصنفها أدبيات قياس قوة ونفوذ الدول جزءا من المكانة والنفوذ، وبقليل من التدقيق سنعرف كيف منح الفيس بوك واليوتيوب قوة نفوذ هائلة – تستخدم حين الضرورة- فى حسابات القوة المعولمة، ذلك الفيس بوك المنتشر بين جمهور الكون كماء وهواء، ليس مجرد ساحة لهو بل هى أيضا وسيلة سهلة وسريعة لجمع المعلومات، تلك التى كانت تحتاج الى طرق وأدوات ووسائل مجهدة وقديمة ومكلفة للحصول على عوائد معلوماتية محدودة، صار الآن يشكل ذلك مصدر معرفة واسعة ودقيقة ونفوذ لحائزى تكنولوجيا ومواقع التواصل العالمية.

الحقيقة أن كل هذا يقول شيئا مهما ومؤثرا عن أن غياب تواجد مصري مهم وفعال إقليميا ودوليا عن ساحة الميديا ومجالات السوشيال صار يحتاج إلى رؤية واستراتيجية تدعم مكانتنا إقليميا ودوليا، ولاشك أن ذلك هو عنصر جوهري فى مجال بناء صورة الدول المعاصرة، بل يمتد نحو تشكيل الملامح الثقافية والسياحية لمصر أيضا، وهو جزء مهم من مصادر القوة السياسية والاقتصادية للمجتمع.

وانطلاقا من مؤشرات معرفية دولية تزيد نسبها كل عام أن ما يزيد عن 40% من الجمهور يحصل على أخبار بلاده والعالم من مواقع التواصل الإجتماعى، فإن ذلك يثير قضايا وإشكاليات عن مدى الاستعداد المصري للدخول بقوة فى تلك الساحات، إبداعيا لضمان الإنتشار والتوسع، واستراتيجيا لضمان الحضور والتأثير، وتلك وفق المقولة الشكسبيرية الذائعة هى المسألة.

إعلان