إعلان

المطر والحياة

د. غادة موسى

المطر والحياة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 26 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«وجعلنا من الماء كل شيء حي...». وقد تكون مصادفة بأن تهطِل الأمطار بهذه الغزارة والحديث يدور حول أزمة سد النهضة.

فالماء سر الحياة والوجود، وفرحة بنزول الغيث، ومؤشر على حدوث النماء، وتعبير عن الشخصية المصرية في حب الأرض والزرع والحصاد.

وكأن هطول الأمطار بهذه الغزارة رسالة ربانية من الخالق "بألا تحزنوا وألا تخافوا" من العطش والجفاف. نعمة إلهية.

لكن لم نكن نريد أن تتحول تلك النعمة إلى نقمة على البلد وعلى شعبها. فالله أرسل الغيث ونحن استغثنا من الغيث. إشكالية كبيرة تتناقض مع ما تعلمناه بأننا لا بد أن نجد في كل محنة منحة وفي كل تهديد فرصة. لكن ماء المطر لم يكن أبداً محنة أو تهديدا، ولكنه مع الأسف تحول لذلك.

وحتى لا أواجه من قبل القراء الأعزاء بمقولة "بيحصل في كل مكان في العالم" أقول لهم إنني أتفق معهم بأنه يحدث بالفعل في أوروبا وآسيا. وأن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة تسببا في فيضانات طالت فرنسا وألمانيا تحديداً خلال هذا العام. وهو أمر لا يخضع لتدخل إرادة البشر، ولكن ما يقع تحت إرادة البشر هو إدارة المخاطر التي قد تترتب على النعم الإلهية الربانية.

لقد تطور العلم بشكل يمكّنُنا من معرفة تغيرات الطقس ليس فقط لليوم الواحد، ولكن عبر الساعة في اليوم الواحد.

كما تطورت دراسات التوقعات المناخية أيضاً، وطالت مصر، كما أصبح لدينا رفاهة التعرف على الطقس وتقلباته عبر الهاتف المحمول في شكل رسائل نصية ترسل لكثير منا.

إذن، من المفترض أن يكون قد تشكل لدينا وعيٌ بأهمية الاحتياط وأخذ الحذر والحيطة.

كما أن تكرار الأمطار والسيول في هذا التوقيت من كل عام كفيل بوضع نظرية علمية تقول "شهور أكتوبر ونوفمبر في السنة في مصر هي شهور سيول وسقوط أمطار غزيرة"، ومن ثم كان لا بد أن تكون لدينا كراسة إجراءات واضحة ومتاحة للجميع (أفرادًا – أهاليَ- مؤسساتٍ) حول كيفية التصرف في هذه الظروف.

في السابق، كانت تلك الأمطار والسيول تشتد وتنحسر في مناطق سيناء والبحر الأحمر، ولكن منذ سنة أو سنتين أصبحت تهطل أيضا في المدن المتاخمة لمنطقة قناة السويس والتجمعات العمرانية الجديدة (الشروق- بدر - العبور - التجمع - الرحاب... إلخ) والآن مدينة نصر ومصر الجديدة. أي مناطق مأهولة بالسكان والحياة والعمران.

وعليه، كان يجب رصد تطور هذه الظاهرة التي تتكرر كل عام في هدا التوقيت، وتتوسع شرقا وغربا بشكل تدريجي.

فكان لا بد من الإعداد الجيد لتكون الأمطار مصدراً للحياة، وليست سبباً في أزمات وفقدان لحياة الكثيرين منا.

وفي هذا السياق لا أستطيع أن أنكر دور رجال الشرطة في محاولة التعامل مع هذه الظاهرة، أو قرار رئيس مجلس الوزراء بتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات- الذي أتي في وقته- من أجل تقليل حجم الخسائر، ولكن كان لا بد من خطة عمل متكاملة لإدارة المخاطر الناجمة عن ظاهرة متكررة، ونعلم بتكرارها كل عام.

وفي رأيي أن أول إدارة جيدة للمخاطر الناجمة عن ظاهرة الأمطار والسيول في هذا التوقيت من كل عام يكمن في التوعية. توعية الناس بكيفية التصرف: "افعل ولا تفعل". كيف يتحركون، وكيف يتعاملون مع تدفق المياه ومع وجود وسائل مواصلات، وكيف يتم تنظيم وتخطيط جداول الدراسة في ضوء هذه الظروف.

أما الأمر الثاني، فلا بد من الانتباه إلى تقدير الخسائر التي تنجم عن السيول والفيضانات وتحجيمها، وفي مقدمتها الكهرباء.

وأتذكر أن هذه الشكوى عرضت في أحد البرامج التلفزيونية الممتازة التي كانت تقدم على التلفزيون المصري وهو "حديث المدينة"، حيث تمت الإشارة في أكثر من حلقة إلى خطورة انكشاف أسلاك الكهرباء وإلى ضرورة معاقبة من يقوم بالعبث في أعمدة الإنارة؛ بهدف سرقة خطوط كهرباء. ومنذ ٢٠١٠ وحتى ٢٠١٩ لم يتغير الأمر حتى الآن.

فهل هي ثقافة الاستهانة التي تنغص علينا حياتنا، أم هو عدم حب هذا الوطن وإهدار إمكاناته ومقدراته؟!

ما العمل إذن؟ الإجراءات الرقابية وإدارة المخاطر واحترام القانون والمساءلة مهمة للغاية، ليس من أجل إظهار الحكومة بشكل جيد، ولكن من أجل الحفاظ على أرواح الناس والحد من الألم الذي يعتصر أهالي الضحايا والاستمتاع بالنعم التي يعطيها الله لنا كرسالة حية في أهمية إدارة مواردنا بشكل أكفأ وأفضل.

رحم الله من لقوا حتفهم جرّاء نعمة لم نحسن استثمارها.

إعلان