إعلان

 بذاءة عابرة أم لسان مجتمع؟

محمد حسن الألفي

بذاءة عابرة أم لسان مجتمع؟

محمد حسن الألفي
09:01 م الثلاثاء 01 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الحقيقة أن الناس تعرضوا، في الأسابيع الأخيرة، لما يمكن أن نطلق عليه في بحث المتغيرات الاجتماعية المرتبطة بالقلاقل والاضطرابات السياسية - الموجة الثانية من الانفلات اللفظي.

سوف يستدعى كثيرون ملامح الموجة الأولى بصعوبة أو بسهولة، حسب موقعهم، من يوم ٢٥ يناير ٢٠١١.

في كل الاحوال والمواقع، موجة الانفلات اللفظي الأولى كانت بمثابة كسر حائط الحياء العام وإهدار الضوابط، بإهانة الكبار، وسب الدين، وسب الوطن، والتحطيم، والنفاق ما بين طلب الحرية وأخذ حياة الآخرين بالعنف المسلح أو بالقبضات الحديدية أو بالترويع.

لم يكن لسان المصريين هو لسانهم المعتاد. لا أقول إن الأدب كان قرين كل لسان قبلها، فالبذاءات والشتائم والانفلات اللفظي كانت موجودة، لكنها كانت تلقى الاستهجان والصد والاستنكار. بعدها كان التسابق في التنابذ، وفى نحت مفردات قذرة وفى ترويجها عبر مسلسلات تبارت في استخدام ألفاظ عارية تنتمي للشوارعية على ألسنة بطلات وأبطال الفيلم أو المسلسل. مصمص الكبار الشفاه، ولاموا أنفسهم على أنهم لم يحسنوا تربية أبنائهم.

ومرت ست سنوات، وسبع سنوات والبذاءة تحولت من الشاشات بالتدريج إلى المعاملات اليومية. حدث ذلك بفجور ووقاحة، ولا يزال يحدث.

ثم بلغ التدني اللفظي منتهاه فيما يمكن أن نسميه بالموجة الثانية من الانفلات اللفظي، وهو وجه آخر من وجوه الانفلات الأمني الاجتماعي. الأخير لا تضبطه الشرطة، لكن يضبطه ضمير المجتمع، وآليات الزجر، والتسخيف، والنهى، والمعايبة.

ظهرت البذاءة في الدرك الأسفل من مظاهرها في توقيت متزامن تقريبا ما بين فيديوهات لص مسعور مخمور في برشلونة بإسبانيا، وآخر معتوه سقيم الوجدان مزعزع العقيدة، وكلاهما باع الأوطان!

كانت ألفاظهما عارية تماما من أي حد أو حياء. زمان... لما كنا مؤدبين..! كان الواحد يفلت أحيانا منه لفظ، ليس مناسبا لشخصيته ولا أسلوبه في الحياة، فيؤنب نفسه طول الليل، ويود لو يعتذر، ويعدل ملافظه وسلوكه ليبين أنها هفوة أو زلة لسان.

كنا نستخدم كلمة قذر بديلا للكلمة التي تنطلق الآن في كل مكان، وتطلق على أي رجل أو امرأة أو موقف..!

ألفاظ الخائنين الاثنين هي المنتهى في الانحطاط، وهذا طبيعي؛ فالسقوط يستدعى القاع وكل ما فيه من قاذورات وعفن وعطن وسوء تربية.

بالطبع كانت الفيديوهات عرضًا مستمرًا، شاهده كثيرون، واستفزت بألفاظها ترسانة لفظية مضادة، أطلقت عليهما مقذوفات ضربت في العرض والشرف. لا يهم عرضهما ولا شرفهما. فقد سقط العرض والشرف فيهما بمجرد خيانتهما لمصر، لكن منظومة الصواريخ اللفظية المضادة شاهدها الملايين، وسمعوها أيضًا، ومع المشاهدة استهجان. ذلك فضول طبيعي.

المشاهدة للخائنين ولمن تصدى لهما من فنانين أو ستات بلد ترتب عليهما- شئنا أم أبينا- إعادة تحطيم حاجز الحياء العام.

لن يتردد صبى أو طفل في إعادة استخدام ما ترسب في وجدانه من قاذورات لفظية رأى أهله وأصدقاءه يصفقون لها، أو يضحكون عليها، أو يتبادلونها.

لا أقول إن أولادنا لا يعرفون "الكُفْت"، فكلنا نتعرض في الشارع لمثل هذا الطفح من الألفاظ الخادشة والجارحة، لكن أن تشيع كأنها كلمة صباح الخير اليومية؛ فتلك كارثة اجتماعية وعنوان فشل في زرع قيم الدين.

بصراحة ما نحن فيه هو تدين لا دينٌ، وتخلُّق لا أخلاق، وتطبُّع لا طبع.

أخلاقنا- للأسف- في الحضيض. وألسنة عِلية القوم لحقت بالسفلة.

عِفة اللسان عنوان عِفة المجتمع... والعفة مخترقة.

إعلان