إعلان

المواطن المصري ومواجهة الفساد

المواطن المصري ومواجهة الفساد

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م السبت 04 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كيف يساعد المواطن المصري في مواجهة الفساد؟
سؤال تم طرحه في جلسة "اسأل الرئيس" خلال مؤتمر الشباب الذي عُقد مؤخراً بجامعة القاهرة.
وقد يبدو للبعض أنه سؤال بسيط، ومن ثم إجابته معروفة، لكن هناك عدة إشكاليات تكتنف هذا السؤال، وتتعلق بـ: من هو المواطن؟ وما حدود فهمه لماهية الفساد؟ وما مقدار وعيه بقدراته لمواجهة الفساد؟!
كلها تساؤلات ضرورية قبل البحث فيما اعتدنا على الحديث فيه من مظاهر الفساد وتشريعاته، وهو الذي نخرجه من سياق هذا المقال.
إن المواطن- في معجم المعاني الجامع- هو اسم فاعل من وَاطَن. وهو أيضا الشخص الذي يتمتع بالحقوق السياسية كافة، سواء لأنه ولد في الوطن أو تجنس بجنسية الوطن، أي المكان الذي يقيم فيه. أي أن كل من يقيم على أرض مصر، ويتمتع بالجنسية المصرية له الحق في مواجهة الفساد. وأنا هنا أسير مع مضمون السؤال المطروح. لأنه كي يساعد المواطن المصري على مواجهة الفساد يجب أن يكون ذلك حقاً مكفولا له. وحتى يستطيع ممارسة هذا الحق لا بد من معرفة موضوع الحق وحماية هذا الحق. وحماية الحق تساعد المواطن على أن يمارسه في العلن، دون خوف أو مواربة أو تستر.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: هل من حق غير المواطن على أرض مصر مواجهة الفساد؟ وفقا للتعريف سالف الذكر للمواطن، فإن الإجابة عن السؤال تكون بالنفي، فغير المواطن ليس له حق في مواجهة الفساد حتى وإن تعرض لواقعة فساد. ولكن هل هذا صحيح في المطلق؟ الإجابة مرة ثانية ستكون "نفيا"، ليس فقط بسبب أن عالم اليوم صار كيانا واحدا، وإنما لأمرين:

الأمر الأول: الصكوك والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دول العالم ومنها مصر هي بمثابة عقد دولي تصبح معه أية ظاهرة "كونية"، ومن ثم فواعلها أيضا "كونيين"، وعابرين لفكرة المواطنة بمفهومها الكلاسيكي.
الأمر الثاني: اهتمام الدول نفسها بما يُكتب أو يقال عنها في هذا الصدد. وليس أدل على هذه المقولة من انشغال صناع ومتخذي القرار بمؤشرات دولية تصدرها مراكز أبحاث عن أداء الدول في بعض المجالات التي قد ينتج عنها ممارسات فاسدة. وهو الانشغال الذي انتشر أيضا في مصر- وتحديدا- منذ عشر سنوات.
وعليه، يصبح الحق في مواجهة الفساد ليس مقصوراً بالضرورة على المواطن، ولكن قد يتعداه إلى غير المواطنين في ذات الدولة أو في دول أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواجهة لا يُفهم منها التدخل القسري في سياسات وشؤون الدول على النحو الذي ورد في ديباجة الاتفاقية الدولية الأمية لمكافحة الفساد في ٢٠٠٣.
...

هذا الاستنتاج يقودنا نحو التساؤل عن الفساد الذي نريد أن نواجهه؟ وكيف نفهمه؟ ولماذا التركيز على المظاهر أو عوارض الفساد دون مسبباته وأصوله؟
وحتى أواجه أمرا لا بد من معرفة ماهيته! وهي الإشكالية التي واجهها- ومازال- كل المهتمين بالعمل في حقل محاربة الفساد. وهي ذات الإشكالية التي تصطدم بها كافة جهود المواجهة، وتشكل في ذات الوقت "فرصة" لنفاذ ممارسات فاسدة قديمة أو متجددة أو مستحدثة.
وعند معظم العاملين في دوائر صنع السياسات فإن الفساد هو ممارسة أمر مادي، ويتخذ مظاهر الرشوة والوساطة والمحاباة واستغلال النفوذ. كما أن الفساد- إذا أردنا تجريد مظاهره- هو كل سلوك غير أخلاقي.
وإذا ما تم اعتبار أن تعريف الفساد يدور حول مسؤوليات وواجبات صانعي ومتخذي القرار تجاه حماية الأموال والموارد، فستدور جهود المواطن في مواجهة الفساد في ركاب هذا التعريف.
...

وحتى ننطلق للأمام بعض الشيء لا بد لمواجهة مشكلة أو ظاهرة "ضارة" أن نضع معيارا نقيس عليه فعل المواجهة. وهذا المعيار الذي سنفكر فيه سويا لا يمثل التعريف الأمثل، ولكن قد يقربنا من تحسين جودة التعريفات المرتبطة "بالفساد".
هذا المعيار هو الحالة العكسية للفساد. فما هو شكل المجتمع الذي لا تنتشر فيه الممارسات الفاسدة؟
تتطلب الإجابة عن هذا السؤال العودة لتاريخ الحضارة اليونانية، وخاصة عند أرسطو وأفلاطون.
وباختصار: ميز أرسطو وأفلاطون- مع وجود بعض التباينات- بين العالم الذي تسوده الحقيقة النقية والخير، وبين العالم الذي يسوده الشر وعدم اليقين. وهو الأمر الذي دفع أفلاطون تحديدا للبحث عن عالم بين العالمين تتحقق فيه المنفعة العامة في ظل وجود منافع خاصة لا شريرة ومعلومة. وهذا العالم عبر عنه بشكل محدد من الحكومة التي تعد مقياسا لما دون ذلك.
أو هو المجتمع الذي لا تتفوق فيه المصالح الفردية الخاصة على المصالح العامة أو النفع العام.
ومما يثير الدهشة أن المجتمعات التي يتحقق فيها النفع العام مقابل النفع الخاص هي الديمقراطيات التعددية الليبرالية التي تقوم على احترام الحريات الفردية.. إلا أنها نجحت بعض الشيء في وضع خطوط فاصلة بين مشروعية المصالح الفردية وإلحاح المصالح العامة، من خلال أعراف أو قواعد قانونية معلومة للجميع. وهذا لا يعني أن الجميع- سواء كان المجتمع أو الأفراد المكونين له- سيسعون لتحقيق المصالح العامة، وينسون مصالحهم الشخصية، لأننا بهذا الطرح نكون غير واقعيين.
وإنما ما نبتغيه من التدقيق في تعريف الفساد وفي إطار مفهومَي المصالح العامة والمصالح الفردية- هو أن يكون السعي لتحقيق مصالح فردية مقيدا بفكرة المصالح العامة، وذلك بوضع مفهوم "مشروعية أو عدم مشروعية المنفعة الخاصة" في التعريف. بمعنى أكثر تبسيطا، فإن مظاهر الفساد هي انعكاس لتغليب المصالح الفردية على الصالح العام، بدون ضوابط.
...
وبالعودة للسؤال الأول، وهو "كيف يساعد المواطن على مواجهة الفساد"، فإن الإجابة المقترحة هي وعيه ومعرفته بماهية المصالح العامة التي يجب أن يعليها على مصالحه الفردية الخاصة، وهو الذي يقوده إلى تلمس هذه المصالح العامة، بما فيها القيم الجامعة في المجتمع من جهة وفي القواعد القانونية من جهة أخرى. فإن لم يجدهما فعليه إيجادهما. أي أن يكون دوره في المرحلة الأولى من رحلته في مواجهة الفساد هو تدريب نفسه على معرفة واحترام وحماية المصالح العامة في توازن مع مصلحته الفردية المشروعة. وهذا التوازن من الصعب أن يتحقق بدون وضوح القواعد القانونية واحترامها.
كما يجب أن يشعر المواطن بالمساندة من بقية أفراد المجتمع من "المواطنين" مثله وغير المواطنين الذين يواجهون الفساد في أوطان وأماكن أخرى.
وهو ما يُطلق عليه "التعاضد العالمي" Global Compact.
هذا التعاضد العالمي يفترض اتفاقا حول ماهية الفساد الذي يجب مواجهته: مظاهره أو ما يختبئ من خلفه.
وبناء على ما سبق ليسمح لي القارئ بأن أطرح السؤال في صيغة أخرى:
"كيف يوازن الإنسان بين تحقيق النفع العام والمصالح الفردية المشروعة، بما يحد من الفساد في المجتمع؟".

إعلان