إعلان

ما وراء الليرة والدولار!

ما وراء الليرة والدولار!

محمد حسن الألفي
09:02 م الثلاثاء 14 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يمكن اعتبار ما يجري في تركيا العثمانلية، خلال الساعات الجارية، أمرا يخص علاقة متأزمة بين رئيسين جامحين، متفجرين، بطبيعتيهما، الرئيس التركي رجب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأن الصراع على الاقتصاد التركي ومحاولة إسقاطه عاجلا سوف يترك تأثيرات طيفية متفاوتة السوء على الأسواق الناشئة. ولا يمكن أيضا النظر إلى انفجار حالة العناد بين أنقرة من ناحية وواشنطن من ناحية أخرى، بمعزل عن تشابك وتعدد علاقات تركيا مع خصمين رئيسيين للولايات المتحدة، هما إيران وروسيا. وانهيار الليرة التركية في مواجهة الدولار الأمريكي وخسران أكثر من ٤٠ ٪؜ من قيمتها خلال ساعات يأتي في سياق اختبار قوة وولاء، فالولايات المتحدة تطالب تركيا بالإفراج الفوري عن القس الأمريكي أندرو برانسون، المتهم بضلوعه في التجسس والإرهاب، وتركيا منذ انقلاب ١٥ يوليو ٢٠١٦ تطالب واشنطن بتسليم الملياردير فتح الله جولن، العقل الإخواني الكبير المدبر المتهم من أردوغان بتدبير انقلاب الجيش عليه. وقع بعدها انقلاب في التحالفات، فقد أدى رفض أمريكا تسليم جولن وتسرب معلومات عن دور ما للأمريكان في هذا الانقلاب بالأتراك للاندفاع سريعا إلى أحضان بوتين الدافئة !

ورغم إسقاط الطائرة العسكرية الروسية بصواريخ تركية ورغم اغتيال السفير الروسي لدي أنقرة، فإن حسابات التشفي والمكايدة لواشنطن غلبت، وهكذا السياحة استؤنفت السياحة الروسية، والصادرات زادت، ويتواصل التنسيق بين تركيا وإيران وروسيا في سوريا، والعمل على تجفيف الدور الأمريكي تقريبا في سوريا، وعزل أي تأثير له .

صفقة الصواريخ إسكندر ٤٠٠ المبرمة بين موسكو وأنقرة بالذات أطاحت بالصبر الأمريكي فضلا عن التحرش التركي بحليف رئيسي في الناتو هو اليونان، وكذلك قبرص طمعا في حقول الغاز والنفط بالدولتين .

ويتعجب كثيرون من السرعة التي يتهاوى بها اقتصاد دولة تغزو العرب شرقا وغربا، وتنفق الأموال علي ربيع الخراب في مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن وتونس، وتواجه أمريكا، وترفض الموقف الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، لكن التاريخ يعلمنا أن المشروعات التوسعية لأية قوة عسكرية تستنزف اقتصادها، في نهاية المطاف.

لا ينجو جيش من تكاليف عملياته العسكرية الخارجية إلا إذا كانت هذه العمليات لمصلحة مصانع الإنتاج الحربي، لتغذية آلة الحرب ولإبقائها مستمرة. ورغم أن أمريكا وضعت حسبتها في العراق على هذا النحو، فالاقتصاد الأمريكي منذ غزو العراق، وأفغانستان آخذ في التراجع، وترك مساحات تقليدية له أمام اقتصادات الصين والهند والبرازيل واليابان بالطبع. وكل ما يفعله ترامب حاليا هو تأخير إعلان التراجع، وذلك بالحروب التجارية التي يشنها علي حلفائه وأعدائه في آن واحد شرقا وغربا .

سقوط الاقتصاد التركي يعني سقوط استثمارات تركية قوية في الدول العربية، ونحن منها، كما أن الأسواق البازغة أو الناشئة ستهتز بدورها، وليس مفهوما تماما تصريح وزير المالية دكتور محمد معيط عن عودة الاستثمارات الأجنبية بقوة منذ أسبوع الانهيار التركي.. وهو استثمار في أدوات الدين الحكومي ليس إلا.

الضغوط الأمريكية العقابية علي الثلاثة معا: روسيا وايران وتركيا جعلت تحالفهم أوثق وأكسبه مبررات وجود وضرورة، وفي الوقت ذاته فاجأ الاتحاد الأوربي واشنطن بموقف جديد منشق، بل متمرد عليها، وأعلنت الحكومة الألمانية أنها تقف بجانب تركيا، لأن الاقتصاد التركي يهم أوروبا.

مرة أخرى يتعمق الخلاف الأوربي الأمريكي على جانبي الأطلنطي، مرة بسبب دعم أوروبا لطهران في الاتفاق النووي ورفضها الانسحاب الأحادي الأمريكي منه، لحد الإدانة والاستنكار، وتلكؤ استثمارات أوروبية عديدة في مغادرة الأراضي الإيرانية امتثالا للعقوبات الأمريكية الخانقة للاقتصاد الإيراني. أما المرة الثانية فهي رفض معاقبة أنقرة في عملتها واقتصادها، لكن الأوروبيين والأمريكيين لم يختلفوا علي معاقبة روسيا!

مع ذلك سيكون هناك لقاء قريب يجمع ميركل وبوتين وقادة أوروبيين.

ماذا يريد ترامب من أردوغان؟

الطاعة الكاملة وإلإ فإن مفعول تويتاته أقوى من تفجيرات صواريخ كروز.

يريد إطلاق سراح القس برانسون فورا، ووقف دعم إيران، وتبريد العلاقة مع موسكو، ووقف صفقة صواريخ إس إس ٤٠٠.

هل سيصمد أردوغان، أم سيكون براجماتيا؟

العقلية العثمانلية ستقذف به إلى بحر العناد.. والثمن باهظ. لكن وساطة ما أو حلا وسطا يحفظ ماء الوجه التركي ربما يفتح السبيل أمام حوار هادئ، فرغم كل شيء تبقي تركيا هي قاعدة إنجرليك الأمريكية الضخمة، ومنها غزت أمريكا الشرق العربي كله، ولا تزال، وتبقي تركيا أيضا عضوا مهما جدا في حلف الناتو، لا يجوز تجاهل موقعها ومساهماتها الأمنية في هذه البقعة الممتدة بين آسيا وأوروبا.

يحدث حولنا لكنه فينا وعلينا.. تلك هي الحقيقة التي نشاهدها كأنها فيلم أبيض وأسود رغم أنه ملون بالدم والأوجاع .

إعلان