إعلان

زخم ثوري يوليوي

زخم ثوري يوليوي

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 23 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مرت 66 عامًا، وما زالت "العركة" منصوبة! أمر غريب حقًا أن يظل الناس يتصارعون ويتشاحنون ويناصبون بعضهم العداء والبغضاء بسبب حدث سياسي أو عسكري أو اجتماعي انقضى قبل أكثر من ستة عقود.

والأعجب والأغرب في الأمر أن الحدث لا يحوي عنصرًا استعماريًا يبقي الصراع الرهيب متقدًا مشتعلاً، ووصل الأمر إلى درجة أن يناصب البعض إنجي وابن الجنايني العداء العلني.

علنية التعبير وإمكانية التغيير كانا يفترضان أن يكونا منحة الجميع. فإتاحة مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار سبل التعبير الفردي والجماعي عبر الشبكة العنكبوتية ظُن أنه فرقعة القرن العشرين وأيقونة القرن الواحد والعشرين. لكن تمصير الشبكة وتقطيع فروة القاصي والداني وإطلاق العنان للهري والهري المضاد لا لشيء إلا للهري وصل في ذكرى ثورة يوليو مداه.

صحيح أن مدى وعي الجماهير ومقدار اهتمامهم بالشأن العام وضلوعهم في إبداء الرأي وتقييم الأحداث والحوادث ما مر بها قبل سنوات وما يعاصرونها في العصر الحديث يقاس بكم التعبير العنكبوتي، إلا أن الكم لا يغني عن الكيف.

كيف، إذن، عبر المصريون عن مشاعرهم تجاه ثورة يوليو في عيدها أو ذكراها الـ66؟

منهم من اجتر الأحزان وذرف الدموع غضبًا وكمدًا ووجه سهام الكراهية لكل من يحب ناصر أو يدعم ثورة يوليو أو يرى في قصة حب إنجي وابن الجنايني نقلة نوعية وعدالة اجتماعية. ومنهم من اجتر الأحزان، وذرف الدموع أيضًا ولكن افتقادًا وحنينًا إلى ثورة يوليو وما مثلته من قضاء على الإقطاع وتمكين للفقراء إلى آخر قائمة "ثلاثة قضاء وثلاثة إقامة"!

وقد يظن البعض أن غالبية الغاضبين هم من أبناء وأحفاد الإقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال المسيطرة والمهيمنة والمتضررين من قوانين الإصلاح الزراعي ونزع الملكيات وغيرها، إلا أن هناك بينهم أيضًا من يقف متضررًا مولولاً لأسباب لا تبدو واضحة. ويلوح بعض الخبثاء من المتابعين لما يجري من الهري فيه على الشبكة العنكبوتية أن هناك من يدعي معاداة ثورة يوليو ومناصبة ناصر العداء حتى يوحي لدوائر الأصدقاء بأنه سليل العائلات الأرستقراطية ونسيب الأسر الرأسمالية. وتظل هناك فئة تداوم على إحياء ذكرى الثورة عير التفكير في آثارها الممتدة ونتائجها المستمرة، وذلك دون هبد الهابدين أو رزع الرزاعين.

هبد ورزع تدور رحاهما على الجانب الآخر من نهر الثورة، حيث محبو الزعيم الراحل عبدالناصر ومؤيدوه لأسباب عدة تتراوح بين قناعات ثورية عميقة وانبهارات شخصية مثيرة و "قلب الأم" الذي يميل إلى أحدهم لأسباب لا يعلمها إلا الله (وينفر من أحدهم لأسباب أيضًا لا يعلمها إلا الله).

القابعون والقابعات على هذه الضفة أيضًا لا يقلون حدة أو ضراوة وأحيانًا عنفًا في التعبير عن موقفهم المحب والمؤيد تجاه ناصر وثورة يوليو عن الكارهين لهما. منهم من لا يطيق كلمة في حق الثورة أو ضد ناصر، حتى وإن كانت تحليلًا لمرحلة تاريخية فيها الحلو وفيها المر.

ومنهم من تجده ميالاً للثورة شاعرًا بنوستالجيا رهيبة تجاهها لأسباب تتعلق بعشق الشعارات والذوبان في مثاليات تدغدغ مشاعر البعض عبر أقوال الزعيم المأثورة "لا يجب أن يكون الغنى إرثًا والفقر إرثًا والنفوذ إرثًا والذل إرثًا، نريد العدالة الاجتماعية، نريد الكفاية والعدل. ولا سبيل لنا لهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات". ومنهم من يحب الثورة ويدعمها "كده وخلاص".

الإيجابي في هذا الزخم الثوري اليوليوي هو أن الناس مازالت لديها القدرة والرغبة على أن تُدلي بدلوها من أجل التعبير، حتى وإن كان دون كثير من التفكير. لكن السلبي هو أن ننقل فيروس التشاحن والتناحر من كأس العالم إلى الأرز البلاستيكي إلى كيكي وريكي إلى ثورة يوليو حلوها ومرها، إنجازاتها وإخفاقاتها رغم مرور 66 عامًا عليها.

إعلان