إعلان

شعب عاطفي

شعب عاطفي

د. أحمد عبدالعال عمر
09:01 م الأحد 01 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعلم أن الحب علاقة شخصية تربط بين الإنسان وربه، الرجل والمرأة، الإنسان وأبنائه وأفراد أسرته، وأنه في السياق السياسي لا يجوز لنا أن نستخدم مصطلحات الحب والكراهية ونحن نتحدث عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ لأنها علاقة عقلانية تعاقدية تقوم على الاحترام المتبادل، وتوزيع الحقوق والواجباب، وتنتهي تلك العلاقة بعجز وفشل رجل الدولة والمسؤول السياسي عن القيام بواجباته في خدمة الوطن والشعب، والحفاظ على ثوابت ومؤسسات الدولة، وعندئذ يتم استبدال شخص آخر به عبر صناديق الانتخابات، يكون قادرًا على ذلك.

ولكننا في بلادنا لم نصل بعد إلى هذا القدر من امتلاك الوعي النقدي والنضج العاطفي والسياسي، الذي يمكننا من التصرف بحياد وعقلانية عندما نتصدى لاختيار الحاكم والمسؤول السياسي ورجل الدولة، وتقييم أدائه والحكم عليه، ولهذا فالمصريون بحق شعب عاطفي يعتمد أغلبهم على "البصيرة القلبية" وخبرة "اللاوعي الجمعي" في الحكم على الحاكم، ويثقون بشخصه ويحبونه بمقدر ما يستشعرون فيه من بساطة وصدق إنساني ونزاهة وإخلاص للوطن ويكرهونه أو يشعرون تجاهه بحياد عاطفي عندما يجدونه على العكس من ذلك.

ولهذا عشق المصريون الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لأنه كان بسيطًا قريبًا من الشعب غير متعالٍ عليه، وعلى وعي تام بأحلامهم ومعاناتهم. كما كان بطلًا تجسدت فيه أحلام أمته وبلاده، وفارسًا لم يخن مطلقًا طبقته وناسه؛ ولهذا شعر قطاع كبير من المصريين باليتم عند وفاته، ولا يزالون إلى اليوم يحملون له أطيب المشاعر.

كما أحب المصريون الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لأنه كان عبقريًا في أغلب فترة حكمه في مد جسور التواصل مع الناس والقرب، وبسبب قيادته لحرب أكتوبر المجيدة، ولكن عندما فشلت سياسته الاقتصادية في تحقيق الخير للمصريين كما وعدهم، انقلبوا في مشاعرهم وعواطفهم تجاهه، بل جعلوه هو وأسرته وجحافل "القطط السمان" من الأغنياء الجدد الذين ظهروا في عهده مادة خصبة للتندر والسخرية.

أما الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فقد تميز بحياد وبرود عاطفي عجيب تجاه الناس، ولم يملك في شخصه أدنى مقومات القيادة والزعامة، فظهر كأنه موظف كبير مشغول بنفسه ومكتسباته وحياته، متعاليا على من هم دونه؛ ولذلك لم يحبه المصريون كما أحبوا جمال عبد الناصر وأنور السادات، وشعروا تجاهه بحياد عاطفي تام، رغم طول فترة حكمه، وفرح أغلبهم بزوال هذا الحكم في أعقاب ثورة يناير.

أما الرئيس السيسي، فقد غمره المصريون بطوفان من المشاعر والعواطف الإيجابية منذ تصدره المشهد السياسي في مصر منذ بشائر ثورة 30 يونيو وحتى اليوم. وقد أدرك هو تلك السمة العاطفية في الشعب المصري، وما يحملونه من عواطف تجاهه، فاستطاع أن يستثمر فيها ببراعة تامة، لكي يكسب ثقة الشعب ويوظفها في تحقيق أهداف الوطن والمواطن.

ورغم تعكر صفو العلاقة بين الرئيس والشعب نتيجة الإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذها في فترة حكمة الأولى، وأثرت على مستوى حياة أغلب المصريين، فإن اللاوعي الجمعي للمصريين لا يزال يدفعهم للثقة في الرئيس ومحبته ودعمه، لشعورهم أنه مخلص وصادق وقريب منهم، ويريد الخير لمصر والمصريين.

ويبقى لزامًا على الرئيس أن يستغل تلك العواطف الإيجابية، والثقة التي منحها المصريون له في فترة حكمة الثانية، بوصفها قوة سياسية فاعلة من أجل إنجاز تغيير وإصلاح حقيقي يعود بالنفع على مصر وشعبها، ويجعل محبة وثقة المصريين في شخصه في محلها، فلا يشعرون تجاهه في نهاية حكمه بخيبة أمل تؤدي إلى انقلاب عواطفهم ضده.

إعلان