إعلان

هذا الإعلام و"نوادره" اليومية السخيفة!!

هذا الإعلام و"نوادره" اليومية السخيفة!!

د. جمال عبد الجواد
09:00 م السبت 10 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع



نوادر إعلامنا تحدث يومياً، فمتى قرأت أو شاهدت، إلا وجدت ما يدهشك من فرط لا معقوليته. نوادر إعلامنا ليست من النوع الذي يضحك، لكنها من النوع الذي يكشف جهلاً وعقداً نفسية وقلة ذوق. مثلاً، وبلا أي مناسبة، نشرت إحدى الصحف/ المواقع موضوعاً بعنوان رأي الفقه في عقوبة المثلية الجنسية.

تم نشر هذا الموضوع في وقت لم تكن فيه أي قضية تتعلق بالمثلية الجنسية مطروحة على الرأي العام، فلم تكن رايات المثليين مرفوعة في الحفلات، ولم تلق الشرطة القبض على شبكة من المثليين "لابسين حريم"، ومقضيينها، فما هو المقصود؟ ولماذا يتم استدعاء الدين في التشريع والقانون، وكأن الصحيفة/ الموقع ترفع رايات تطبيق الشريعة. أليست هذه ثقافة الدولة الدينية، حيث التشريع كله لابد أن يأتي من نصوص الشريعة، وآراء الفقهاء؟ لا أظن أن للأمر علاقة بكل هذا، ولكنها فقط قلة حيلة الصحفي الذي لم يجد ما يكتبه، فإفتكس هذا الموضوع، لكي يستكمل عدد الموضوعات المطلوب تسليمها، حتى يتسلم مرتبه آخر الشهر.

عندما يصر أحد المواقع/ الجرائد على نشر سعر الدولار في السوق السوداء كل يوم، معتبراً ذلك من ضمن الخدمات التي تقدمها الصحيفة للجمهور، فهل في هذا شبهة مخالفة من نوع ما، خاصة بعد أن تم تحرير سعر الصرف، وبات الدولار متوافراً لكل الاستخدامات المشروعة تقريباً، حتى أصبحت الحاجة لدولارات السوق السوداء معدومة إلا من جانب تجار الممنوع؟

هل تتذكرون كيف روّج هذا الإعلام للمخاوف من لعبة بوكيمون؟ وكيف راح الصحفيون يستطلعون آراء المشايخ والخبراء الاستراتيجيين في شئون الأمن القومي؟ أي والله المشايخ والخبراء الاستراتيجيين، حتى اختفت اللعبة، أو نسيها الناس، ليس بسبب جهود الإعلام الهمام، ولكن لأن بوكيمون كانت مجرد موضة وانتهت، وأن تهييج الإعلام لم يكن سوى حيلة تفتق عنها ذهن تافه لجذب الانتباه، وزيادة التوزيع.

في سنة 2009 قامت حكومتنا بإعدام كل الخنازير الموجودة في البلاد، والتي يتم تربيتها لإطعام الراغبين، وللمساعدة على تدوير المخلفات، بحجة إنفلونزا الخنازير. يصيب هذا النوع من الإنفلونزا الخنازير، وهو أمر معروف منذ زمن. فقط في عام 2009 تحور فيروس المرض، وأصبح هناك احتمال ضئيل لانتقاله للإنسان. تلقف أحد الإعلاميين المشهورين جداً أصحاب البرامج التليفزيونية، الموضوع، وشن حملة شعواء أصابت الناس بالرعب من خطر الموت المقبل من الخنازير. ضيق المذيع المشهور والجمهور المرعوب الخناق على حكومتنا، فقررت إعدام كل الخنازير في مصر. انتهت هوجة إنفلونزا الخنازير، فهل سمعتم عن وباء الخنازير يقتل الناس في بلاد تربي الخنازير وتأكلها كل يوم؟ بالمناسبة الإعلامي صاحب الحملة مازال شهيراً جداً، ومازال لديه برنامج تليفزيوني ناجح.

يحب الإعلام الأفكار الغريبة، ويحب استضافة ضيوف لا يقولون إلا كلاماً خلافياً، بطريقة لا تخلو من استفزاز. تفوز المنصة الإعلامية التي تستضيف الضيف غريب الآراء بالمشاهدة. تشن المنصات الإعلامية الأخرى حملات شعواء ضد الضيف الذي تتحدى آراؤه القيم والمعتقدات، فتفوز بالمشاهدة أيضاً. المهم في كل هذا ألا يتم ذكر اسم القناة والبرنامج اللذين استضافا الضيف، بدعوى عدم التعرض لإعلاميين زملاء، مع أنه لولا الفرصة التي تمت إتاحتها لغريبي الأطوار والآراء، لما تمكن هؤلاء من الظهور على الشاشات منذ البداية. من وجهة نظري، الموضوع كله "اشتغالة" جماعية يدبرها الإعلاميون باتفاق ضمني، يخرج الجميع منها رابحين.

قام أحدهم مرة باستضافة رجل تزوج امرأتين في ليلة واحدة، فأقام فرحاً، وجلس الرجل العريس بينهما في الكوشة. هذا موضوع مكانه برنامج غرائب وطرائف، وليس برنامجاً تلفزيونياً محترماً. ولأن المذيع الذكي يدرك هذه الحقيقة، فقد قضى طوال الوقت الذي استضاف فيه الرجل وهو يهين الضيف، ويلومه على نشر فيديو الفرح وصوره على السوشيال ميديا، ويكرر له القول بأن المجتمع- الذي لديه مشاكل كثيرة- غير معني بهذه الزيجة الغريبة، مع أنني أظن أن الإعلامي الكبير قد منح الرجل فرصة لم يكن يحلم بها لنشر بدعته الشاذة على عدد أكبر من الناس.

حتى مباريات الكرة لا تخلو من السخافات الإعلامية. عندما كان منتخبنا الوطني ينافس للوصول إلى نهائيات كأس العالم، نشر أحد المواقع/الجرائد، توقعات مسئول سابق بالمخابرات نتيجة واحدة من مباريات المنتخب القومي المهمة، وكأن وجود كلمة القومي في اسم الفريق تكفي لجعل نتائج مبارياته قضية أمن قومي، أو كأن نتائج مباريات الفريق القومي يجري طبخها في جهة ما خارج الملعب.

إعلامية شهيرة، هي في نظري أفضل إعلامية في مصر، تصر على تذكيرنا بأن الضيوف المهمين جداً الذين تستضيفهم هم أصدقاء لها. وللتدليل على ذلك تصر الإعلامية الشهيرة على مناداة ضيوفها بأسمائهم الأولى، وكأنهم في جلسة أصحاب يدردشون على الكافيه، في مشهد تغيب عنه المهنية. عندما كانت الإعلامية نفسها تتناول قضية تتعلق بنهر النيل، لم يفتها أن تذكرنا بأنها تعرف النيل جيداً، لأنها كانت تسكن على الكورنيش مباشرة، قبل أن تنتقل إلى مكان آخر بعيد، يفهم من الكلام أنه مكان أكثر فخامة من الكورنيش، فلماذا كل هذا الاستعراض والذاتية المفرطة؟ ارحمونا أرجوكم.

إعلان