إعلان

إضراب عمال المحلة.. ليست "قِلّة مندسّة" بل سياسة اقتصادية منحرفة

إضراب عمال المحلة.. ليست "قِلّة مندسّة" بل سياسة اقتصادية منحرفة

د. عمار علي حسن
08:29 م الأربعاء 16 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بدلا من أن يهاجم إعلام السُلطة عمّال المحلة المضربين عن العمل، ويكرر الروايات التي لم يعد يصدقها أحدٌ عن أن هناك مندسين يُحرّضونهم، ثم يشير إلى جماعة الإخوان وأتباعها، عليه أن يسأل أهل الحكم عما أدى إلى هذا الإضراب، وعن الفشل في إدارة الأزمة حتى الآن، وإلى الإصرار على معالجة القضايا الحقيقية بالهروب إلى الأمام، عبر تخوين أو تجريس كل من يطالب بحقوقه المشروعة.

لعل السؤال الذي يجب أن يتصدّر المشهد الآن هو: لماذا بعد ثلاث سنوات وثلاثة أشهر من الحكم المباشر للرئيس عبد الفتاح السيسي، تُركت المشكلات القديمة على حالها، بل أُضيف إليها ما يزيد من وطأتها ويُعلي من حِدّتها ويضعها على حواف الانفجار؟ والأفدح من هذا: لماذا لا يوجد أفق للتغيير إلى الأفضل في أي اتجاه؟

لنبدأ الحكاية منذ البداية ...

حين انعقد مؤتمر اقتصادي كبير في شرم الشيخ أوائل حكم السيسي وأعلنت فيه أرقام غير حقيقية على الشعب كتبت يومها أطالب الرئيس، بعد أن أبديت تحفظي على كثير من هذه الأرقام وكشفت زيفها، أن يعقد مؤتمرين اقتصاديين آخرين، الأول في المحلة الكبرى والثاني في نجع حمادي، كقلعتين صناعيتين تاريخيتين، ليعلن للمصريين أنه راغبٌ في إصلاح القلاع الصناعية وتحديثها، ودفعها إلى الأمام بعد سنوات من الإهلاك والإهمال والتعطيل، بل والتصفية من خلال البيع بأبخث الأثمان.

لكن الرئاسة ردّت في اتجاه مغاير تماما بالإعلان عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة، تسببت في زيادة الدين الداخلي بمستوىً غير مسبوق، ومشروع جبل الجلالة، ومشروعات أخرى فيها من الترفيه أكثر مما فيها من الإنتاج، فإن كان بعضها يعزز البنية الأساسية، وبعضها لا يعدو عن كونه إلقاء مالٍ وفيرٍ في الرمل، وفي الحالتين تغيب النظرة إلى ما ينتج ويضيف للاقتصاد ويسهم في رفع معدل التشغيل، وجعل النقود تدور في المجالات الاقتصادية التي تراكم نفعًا لأعرض طبقة اجتماعية .

إن العمال مسئولون عن تشغيل الماكينات، وليسوا مسئولين عن وضع خطط التصنيع، ولا تعيين الكبار الذين يديرون الشركات، وهم في الغالب الأعم صنفان، إما جاهل بما عليه أن يفعله، أو فاسدٌ يعتبر منصبه فرصة لنفخ جيبه بمزيد من المال.

لقد سار عمال المحلة في خطوات قانونية في اتجاههم للإضراب، ودقّوا جرس الإنذار غير مرة، لكنّ أحدًا لم ينصت إليهم بالقدر الكافي والمعقول والمتواصل، حتى إنهم اضطروا إلى نقل احتجاجهم من داخل مصانع وعنابر أقسام الملابس الجاهزة والوبريات والصوف والغزل والنسيج إلى ساحة الإضرابات بميدان "طلعت حرب" أمام مبنى مجلس إدارة الشركة مرددين هتافات منها:

"عاوزين حقوقنا يا حكومة"

"علاوتنا حق ولادنا ... وكلنا بنحب بلدنا".

وإذا كان ممثلو العمال قد جلسوا مع نواب برلمان عن المحلة، وبحضور رئيس شركة غزل المحلة بقاعة الشركة للاتفاق على بنود حل أزمة العُمّال، فإنَّ الطريقة التي أديرت بها الجلسة تعتقد أن العمّال صبية صغار يمكن خداعُهم ببساطة، حيث حاول هؤلاء إقناع العمال بفضّ الإضراب قبل صرف العلاوة وفق ما انتهى إليه الرأي مع وزير قطاع الأعمال، ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، وهذا ليس حلًّا، لأن قيادة العمال ترى أنهم إن فضّوا الإضراب سيكون من الصعب عليهم التجمع مرة أخرى بهذه القوة، وهذا الزخم، بينما تكون الحكومة قد بدأتْ رحلة التنصل أو التسويف، وقد تقدم على عقاب هؤلاء القادة عقابًا شديدًا.

لقد جلس العشرات من العمال على ساحة مبنى مجلس إدارة الشركة، وأمام أبواب شئون الأفراد، ومساكن الإدارة؛ للإعلان عن غياب استجابة قيادات الشركة القابضة والحكومة. فإدارة الشركة لا تبدو جادة، والحكومة غائبة، والرئاسة غائبة، ولا أحد يتعلم من التاريخ القريب، الذي يُنبّئنا ببساطة أن انهيار نظام مبارك بدأ بسلسلة اعتصامات وإضرابات لم تلقَ استجابة من السلطة، فلا نزولًا على حقوق العمال، ولا حتى تفاوض معهم حولها، ولا وعَدَ بالحلِّ ولو بعد حين، وها هي السنوات تمْضي والمشكلات تبْقى، بل تتزايد وتتفاقم.

إعلان