إعلان

المومياء الحامل.. أدلة وصور تكشف كيف باع علماء بولنديون الوهم للعالم

12:16 ص الخميس 03 فبراير 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

مصراوي

في أبريل الماضي، وقع ما يشبه الزلزال العملي فور نشر فريق من الباحثين البولنديين دراسة مثيرة للجدل حول اكتشاف ما أطلقوا عليه "أول مومياء حامل" في شهرها السابع، وذلك ضمن "مشروع مومياوات وارسو"، وهي محفوظة في المتحف الوطني البولندي بالعاصمة وارسو، إلا أن اكتشافهم لم يكن إلا وهما بيع للعالم وصدقه كثيرون حتى فندته دكتورة مصرية.

واكتشاف العلماء البولنديين، الذي يمكن أن يغير كثيرا من المعلومات الثابتة حول أسرار علم التحنيط لدى قدماء المصريين، لم يمر مرور الكرام، فقد تصدت له الدكتورة سحر سليم أستاذ علم الأشعة بكلية طب القصر العيني جامعة القاهرة، وأثبتت خطأ النتائج التي توصل إليها العلماء البولنديين، عن طريق بحث علمي رصين نشر في مجلة العلوم الأثرية، طالبت خلاله الباحثين أصحاب الاكتشاف بإعادة إجراء التصوير المقطعي المحوسب للمومياء باستخدام البروتوكول المناسب الذي يشرف عليه اختصاصيو الأشعة المعنيون بفحص المومياوات.

وأكدت سليم، أن الشكل الخارجي لبطن المومياء لم يكن بسبب الحمل وإنما بسبب اللفائف التي يضعها المحنط في بطن المومياء وهو أمر متعارف عليه.

فهل يمكن أن يكون الفريق البولندي ارتكب "خطيئة علمية"، يقول الدكتور مصطفى عطاالله أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة، أحد أهم المتخصصين في هذا المجال: حتى نحسم هذه القضية يجب أن نضع العديد من الحقائق أمام القارئ، فقد كان المصري القديم يعتقد في الحياة الآخرة بلا شك، وعلى هذا الأساس قامت الحضارة المصرية القديمة، وكل ما تبقى لدينا من آثار فهو يرجع إلى أحد أمرين إما ديني يتمثل في المعابد الإلهية التي يتعبد فيها الإنسان استعدادا للعالم الآخر، أو جنائزي وهي المقابر ويشمل الأهرامات أو المقابر المنحوتة في الصخر أو المصاطب وكلها تمت استعدادا للعالم الآخر.

ولفت عطاالله، إلى أن المصري القديم كان لديه حياة طبيعية دنيوية مثل كل شعوب الأرض تحمل كل المعاملات اليومية دون أدنى اختلاف إلا أن حرصه على الحياة الأخرى دفعه إلى أن يوجه أنظاره إليها، ويستعد لها، فقد كان يقيم المنازل التي يسكن فيها من الطوب اللبن والطمي باعتباره منزل زائل، حتى قصور الحكم كذلك كانت تبنى من الطوب اللبن اللهم إلا من أعتاب الأبواب والأعمدة.

وأضاف: كان يعتقد المصري القديم بأن هناك ٧ عناصر أساسية تضمن البعث في العالم الآخر، منها وأهمها الجسد، فكان لابد من الحفاظ على الجسد سليما باقيا قدر الإمكان، ولذا كان يدفن في المناطق الصحراوية الجافة للحفاظ على الجثامين وذلك قبل أن يعرف التحنيط، وبعد ذلك عرف المصري القديم التحنيط ونعتقد أنه عرفه في بداية العصور التاريخية، ومن هنا وجدنا المومياوات، وحتى يتم التحنيط على أساس علمي لا بد أن يمص من الجسم كل ما هو لين ورخو وسائل، حتى المخ.

وأكمل: أهم شيء في مشروع التحنيط هو سحب جميع السوائل من الجسم حتى تجف الجثة وتصبح معدة للتحنيط، ويعالجها بالراتينجات والصموغ ونشارة الخشب وملح النطرون وغيرها حتى يجفف الجثمان طوال الوقت.

وتابع: عندما يخرج المصري القديم من الجسد الأجزاء الرخوة مثل الأمعاء وغيرها لم يكن يلقيها لأنه يود الحفاظ عليها لحين البعث ولذا كان يضعها في الأواني الكانوبية الأربعة، حتى يضمن أن يجد الجسد الذي يبعث في العالم الآخر كاملا.

وحول قضية المومياء الحامل، قال عطالله، إننا كعلماء آثار لا نستطيع أن ندلي بدلونا في موضوع معين يمكن أن يشترك معنا فيه علم من العلوم الأخرى دون أن نستعين بالمتخصصين في العلوم الأخرى، فنحن كأثريين لدينا المعلومات الأثرية الخاصة بالتحنيط وحتى تكون المعلومات على قدر كبير من الدقة نستعين بعلماء الطب والتشريح، مشيرا إلى وجود علم الأنثروبولوجيا، وهو علم السلالات البشرية، وكذلك الفيزيكال أنثروبولوجي، فيما يتعلق بالجسم وتشريح الجسم، وتعد الدكتورة سحر سليم أستاذة الأشعة بكلية طب القصر العيني، واحدة من أعلام هذا المجال، واشتركت معنا في تجهيز سيناريو العرض المتحفي للمتحف القومي للحضارة المصرية، وكانت أحد أعضاء اللجنة، وبالتالي فتخصصها متعلق بهذا الجانب وهي ترد على ما قيل.

وحول تصريح الدكتورة سحر عن "المومياء الحامل" المزعومة، قال عطاالله: كلامها منطقي تماما لأن الأجنة لا يمكن تركها في بطن المومياء لأنها جزء رخو تماما، وجرت العادة أن يتم استخدام نشارة الخشب في البداية للتجفيف ثم بعد ذلك اللفائف بحيث تضمن جفاف الجثة، خصوصاً أن التحنيط يجعل الجثة بمثابة لحم على عظم.

وتابع عطاالله: في تقديري الشخصي حتى وإن كان شكل بطن المومياء التي أجريت عليها الأبحاث البولندية أشبه بالحامل، فقد تم تفنيد كل هذه الادعاءات لأنها عبارة عن لفائف توحي بشكل جنين وما هي بجنين، ولذا أضم صوتي لصوت الدكتورة سحر سليم بأن ما تم العثور عليه داخل البطن هو نوع من اللفائف حتى يجفف الجثة ويمنع تعفنها فيما بعد.

بعد حديث الدكتور مصطفى عطاالله والذي يعد مهادا أساسيا لفهم طبيعة وفلسفة التحنيط عند قدماء المصريين، عدنا إلى الدكتورة سحر سليم أستاذ علم الأشعة بقصر العيني جامعة القاهرة، والتي أكدت أن نتائج فريق العلماء البولنديين خاطئة لأنها تجاهلت بديهيات علمية لا يمكن التغاضي عنها.

وقالت سليم: فضلت عدم الحديث بعد الضجة التي أثارها بحث العلماء البولنديين، والتزمت الصمت إلى أن أنتهي من البحث العلمي الذي نشرته الشهر الماضي، حتى يكون حديثنا حديثا علميا لا يمكن لأحد أن يدحضه أو يشكك فيه.

وأضافت: لا يمكن التسليم بتحليل ما جاء في الصور التي نشرها البحث البولندي والتعامل مع الكتلة التي في رحم المومياء باعتباره حمل، لأن الجنين له صفات تشريحية لم تثبتها الصور، وكذلك ليس به عظام، وبالتالي فالأرجح أن تكون هذه الكتلة عبارة عن لفائف وحشوات التحنيط التي جرت العادة على وضعها في بطن المومياء، وهو أمر شاهدناه في مئات من المومياوات المصرية التي قمنا لفحصها عن طريق الأشعة المقطعية كجزء من عملنا مع وزارة الآثار.

وأضافت سليم: لدي صور أشعة مقطعية لمومياء مصرية قديمة من نفس الفترة الزمنية للمومياء الحامل المزعومة، توضح وجود لفائف ملتفة بداخل حوض المومياء قد تأخذ اللفائف أي شكل على حسب ما تركها المحنط المصري القديم.

وشددت الدكتورة سحر سليم على أن رحم الحامل يعد مادة خصبة لنمو البكتيريا مثله مثل الأمعاء وغيرها من الأعضاء الرخوة التي يعتمد التحنيط على إزالتها، مؤكدة أن ملح النطرون لا يمنع تحلل الأجزاء الرخوة وإنما يساعد على حفظ الجلد والمومياوات بشكلها الذي عرفه قدماء المصريين.

وبهذا يتضح فشل الفريق البولندي في الرد على التفنيد العلمي لمقال الدكتورة سحر سليم، لأنهم لم يتمكنوا من إثبات وجود عظام أو أي تراكيب تشريحية تدل على أن الكتلة بداخل حوض المومياء هي لجنين. وبدلا من الاعتراف بخطأ فرضيتهم ابتدع الفريق البولندي نظرية، "الجنين المخلل"، لتبرير عدم وجود أي عظام لجنين. فادعوا تحلل الجنين بداخل الرحم الحامل إلى أحماض أدت إلى تخليل الجنين وإذابة عظامه بالكامل مع الإبقاء على الأنسجة الرخوة.

وهذه فرضية علميا خطأ كما تخبرنا دكتورة عبلة عطية أستاذة ورئيس قسم الطب الشرعي بكلية طب قصر العيني، لأن أحماض تحلل الإنسان ضعيفة ولا تسبب ذوبان العظام والتي تحتاج لأحماض قوية لإذابتها، وعلى فرضية ذوبان العظام فلم بقيت الأنسجة الرخوة وكان من الأدعى ذوبانها.

واتفق العلماء المختصون، على خطأ نتائج وعدم مصداقية تبريرات الدراسة البولندية بوجود مومياء محنطة حامل وأكد العلماء أن هذه الكتل ما هي إلا حشوات تحنيط.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان