إعلان

بالتزامن مع مناقشة القانون بالبرلمان.. القضاء يُحدد 6 محاور لسد الفراغ التشريع لتنظيم الإفتاء

01:51 م الإثنين 24 أغسطس 2020

مجلس النواب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمود الشوربجي:

حالة من الجدل أثيرت خلال الآونة الأخيرة بالتزامن مع بدء مناقشة مشروع قانون تنظيم الإفتاء داخل مجلس النواب، خاصة داخل الأوساط الأزهرية، التي اعتبرته يمس باستقلال الأزهر الشريف، بجانب ما يتضمنه من عوار دستوري حال الإصرار على إقراره -وفق شيخ الأزهر-.

وأرسل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أمس الأحد، خطابا إلى الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، مطالبا بحضور الجلسة العامة المنعقدة لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، وعرض رؤية الأزهر في ذلك المشروع الذي من شأن إقراره أن يخلق كيانًا موازيًا لهيئات الأزهر، ويجتزئ رسالته، ويُقوِّض من اختصاصات هيئاته.

وفي وقت سابق أرسل الأزهر الشريف خطابا إلى مجلس النواب، يتضمن رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر في مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية المعروض على مجلس النواب، مؤكدة أن مواد هذا المشروع تخالف الدستور المصري، وتمس باستقلالية الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية.

وأكدت مؤسسة الأزهر أنَّ نصَّ القانون رقم 103 لسنة 1961م، وتعديلاته بالمرسوم بقانون رقم 13 لسنة 2012م، أكَّد أنَّ الأزهر هيئة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية، ويكون مقرها القاهرة، ويجوز أن تنشئ فروعًا لها في عواصم المحافظات في مصر، أو في دول العالم؛ تحقيقًا لأهدافها العالمية السابق الإشارة إليها في هذه المادة، بما في ذلك إنشاء المعاهد والمراكز الإسلامية والبحثية والكليات الجامعية، وتكفل الدولة استقلال الأزهر، كما تكفل الدعم المادي المناسب له ولجامعته وكافَّة هيئاته، ويُمثل الأزهر الشريف المرجع النهائي في كل ما يتعلق بشئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة.

وهنا يلعب القضاء المصري دورًا بارزًا في معاونة المشرع عن طريق مناشدته في أحكامه عن أي قصور في التنظيم التشريعي لموضوع ما، وفق ما يعرض عليه من أقضية.

وهناك بعض الأحكام القضائية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه القضية، ففي هذا السياق أصدر المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة إبان رئاسته لمحكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بحيرة، حكمًا قضائيًا سابقًا عام 2015، تناول فيه فكرة التعاون بين المؤسسات الدينية بعضها البعض دون احتكار لإحداها على الأخرى، وأن تكريم الدستور المصري دون الدساتير العربية للأزهر كهيئة علمية لم يتضمن حرمانًا للمؤسسات الدينية الأخرى من ممارسة دورها كوزارة الأوقاف ودار الإفتاء.

وأكد على أن الدعوة الإسلامية هي دعوة ملهمة لتطهير الروح والعقل والنفس والوجدان ضد التكفير والتعصب المذهبي والطائفي والعنف الدموي، وورد به أن المشرع الوضعي لم يضع تعريفًا للمجتهد، وأن هناك فراغًا تشريعيًا وليس شرعيًا بشأن إيجاد تنظيم تشريعي متكامل للعمل الإفتائي في المجتمع المصري، وهذا هو دور القاضي الإداري المنشئ للقاعدة القانونية الواجبة التطبيق على عناصر النزاع باعتباره القائم على تطبيق النصوص في مناشدة المشرع وتوجيه نظره لما يعترضها من آثار خطيرة يكشف عنها الواقع العملي لتكون تحت بصر المشرع أثناء إصداره القانون.

وتطرق الحكم إلى 6 محاور رئيسية منها أولًا: عن النص الدستوري على دور الأزهر هل هو دور احتكاري للأزهر فقط أم تشاركي تتعاون معه فيه المؤسسات الدينية الأخرى كوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، قالت المحكمة: "أنه إذا كان الدستور جعل من الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة وجعله المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، وأناط به مهمة مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم مما يؤكد عالمية رسالة الأزهر، إلا أن الأزهر الشريف يظل هيئة إسلامية علمية، ويعني أنه لا قداسة في الإسلام، ولا عصمة لأحد إلا للرسول الكريم فيما يبلغ به عن ربه، والحق أنه ليس بالأزهر الشريف وحده يقع عبء نشر الدعوة الإسلامية، بل يشاطره في ذلك بدور جوهري وفعال وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وإن لم ينص على ذلك الدستور المصري، بخلاف الدساتير العربية، التي أناطت بمهمة نشر الدعوة لوزارة الأوقاف وحدها بتلك البلاد، وذلك نظرًا لعدم وجود الأزهر الشريف بتلك الدول، والذي تنفرد به مصر دون العالم، فكان طبيعيا أن يفرد الدستور المصري للأزهر الشريف نصًا خاصًا دون أن يوازيه نص دستوري آخر في تنظيم العمل الدعوى لوزارة الأوقاف والعمل الافتائي لدار الإفتاء المصرية، و ليس معنى ذلك إغفال دور وزارة الأوقاف ودار الإفتاء في النشاط الدعوى والإفتائي، فتنجلي بذلك غُمة ما يمكن نسبته من خلل دستوري وهو ليس بخلل بل تكريما للأزهر لا يتضمن حرمانًا لسائر المؤسسات الدينية الأخرى من أداء دورها، وترتيباً على ذلك يجب أن يسود التعاون بين المؤسسات الدينية جميعها للاضطلاع بدورها كل في مجاله دون احتكار ديني لجهة ما".

ثانياً: وعن الفراغ التشريعي وليس الشرعي لعملية الإفتاء وخلو القانون من تعريف المجتهد والمواصفات اللازمة فيه؛ أضافت المحكمة: "إن المشرع الوضعي لم يضع تعريفًا للمجتهد، كما أن هناك فراغًا تشريعيًا – وليس شرعيًا – بشأن إيجاد تنظيم تشريعي متكامل لعملية الإفتاء في المجتمع المصري وهو ما يسبب مشكلات جمة – باستثناء ما تقوم به دار الإفتاء المصرية – فظل الإفتاء ليس حكرًا على أحد، فكل مسلم بلغ في علوم الشريعة الإسلامية مبلغ التخصص وتوافرت في حقه أهلية الاجتهاد من حقه الفتوى والأمر يحتاج إلى تنظيم تشريعي بقواعد عامة مجردة ، أما من يتصدى للفتوى من غير المتخصصين أو ممن ينقصهم إتقان التخصص فإنه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك، إلا أن علماء الأمة قديمًا وحديثًا تواترت آراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة في المجتهد الذي يجوز له أن يفتي للناس في أمور دينهم ودنياهم، ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر في شأنهم أهلية الاجتهاد أو ممن ينقصهم إتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والإفتاء بدون علم، لما يترتب على ذلك من مأس دينية ودنيوية أو الإساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب، وتأسياً بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الاَن من تجرؤ غير المتخصصين على الإفتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد، حتى لا يصعب الأمر على المتلقي في اختيار من يتلقى منه الفتاوى مما يقتضي تنظيم دار الإفتاء بنصوص قاطعة على ممارسه دوره وتحديد مجالاته".

ثالثاً: وبشأن تفضيل الاجتهاد الجماعي على الاجتهاد الفردي في المسائل الخلافية؛ قالت المحكمة "يجب أن يقتصر الإفتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص في بحر الاجتهاد المتلاطمة أمواجه القادرين على استنباط الحكم الشرعي المؤسس على فقه سليم، وبُحت أصواتهم عن مدى حاجة المسلمين في كل مكان إلى الإفتاء السليم الذي يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر في ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من قضايا مستجدة، وأنه عندما تقدمت العلوم وتنوعت التخصصات فإن المسألة التي تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة إلى نظر جماعي، أي الاجتهاد الجماعي لا الاجتهاد الفردي، تأسيساً على أن المسألة الواحدة التي تنازعتها فتويان فإن الأمر يقتضي ترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فالمسائل الخلافية التي تتعدد فيها آراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالإفتاء فيها فقيه واحد، فيكون الاجتهاد الجماعي هو السبيل الوحيد للإفتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة وإثارة للبلبلة وعدم استقرار المجتمع الديني".

رابعاً: وعن وجوب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحا لا يوصد ليساير مستجدات العصر؛ أكدت المحكمة "أنه بات من الأصول العامة الخالدة ما بقيت الحياة قائمة أن طبيعة الشريعة الاسلامية تقتضي أن يظل باب الاجتهاد فيها مفتوحًا لا يوصد بحسبان أنها الشريعة الخاتمة لجميع البشر وبمراعاة أنها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وفي أي مجتمع، لكونها المنظمة لعلاقات الناس ومعاملاتهم في شتى مناحي الحياة وعلاقتهم جميعا بالخالق سبحانه وتعالى، فكان لزاما أن تحمل خاصية بيان الأحكام الشرعية لكافة مستجدات الحياة في جميع جوانبها، وهكذا تظل حاجة أتباعها إلى الاجتهاد قائمة باستمرار لتساير مستجدات العصر فيصبح الخطاب الديني متجددًا يافعًا معبرًا عن كل بيئة مهما اختلفت الأوطان، ويتعين مناشدة المشرع إلى إيجاد تنظيم تشريعي عاجل لعملية الافتاء في المجتمع المصري بتنظيم دار الإفتاء لتلافي الآثار السيئة وإحداث البلبلة في نفوس العامة، وعلماء الدين كافة يعد إليهم بتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من آثار التعصب الديني الناجم عنه الانحراف في الفكر المذهبي والسياسي وأن الإسلام لم يعرف ما يسمى بالفريضة الغائبة في تكفير المسلم وقتل البشر باسم الدين".

خامساً: وفيما يتعلق بشروط تنظيم عملية الإفتاء في الفقه الإسلامي؛ أوضحت المحكمة "أن شروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير في الفقه الإسلامي حتى يمارسه العوام وإنما هو أمر بالغ الصعوبة والدقة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعي يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها واستنباطها من أدلتها على نحو يشترط في المجتهد شروطاً للصحة أهمها أن يكون عارفا بكتاب الله ومعاني الآيات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية، وكيفية دلالة الألفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز وإطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص، والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه، وهي مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس من ادعياء الدين وطالبي الشهرة ومثيري الفتنة والدين منهم براء، وهي في الحق تستلزم التأهيل في علوم الدين، مما تناشد معه المحكمة المشرع بضرورة تجريم الإفتاء من غير أهله المتخصصين بدار الإفتاء التي تخاطب كل مسلم في العالم وليس مصر فحسب، ومناشدته كذلك بصدد قانون ممارسة الخطابة بتجريم استخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية حتى ولو كان مرخصا له بالخطابة، وهو الأمر الذي خلا منه قرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 51 لسنة 2014 بشأن ممارسة الخطابة و الدروس الدينية في المساجد وما في حكمها، لأن استخدام الخطيب للمنبر في غير أهداف الخطابة والانحراف بها في اتون السياسة سعيا لتأييد طرف ضد آخر، يجعله قد خالف شروطها، والقاعدة الفقهية تقرر أن المسلمين عند شروطهم، خاصة في ظل الظروف العاتية التي تواجه العالم لمحاربة الإرهاب ودعاة الفكر الشيطاني التكفيري، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامي غاية جهدها لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على كيان المجتمع واستقراه ورعاية المصالح العليا للأمة:.

سادساً: وعن الاجتهاد وعلاقته بالمذاهب الفقهية باعتباره إحدى وسائل تجديد الخطاب الديني كأمر ثابت في الشريعة الإسلامية وأحد مصادرها، قالت المحكمة" إن المقرر شرعا أن الاجتهاد - باعتباره إحدى وسائل تجديد الخطاب الديني - أمر ثابت في الشريعة الاسلامية بل يعد أحد مصادرها، كما تعتبر المذاهب الفقهية نتاج هذا المصدر، واختلاف فتاوى الفقهاء في المسألة الواحدة يعد أبرز شكل من أشكال الاجتهاد، وبمراعاة أن نطاق هذا الاختلاف يقتصر على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الاسلامى المقررة بأدلة قطعية والتي تشمل الأصول والمبادئ أو الاعتقاد، ويعد الاختلاف بين المذاهب الفقهية – كما قيل بحق – رحمة ويسرا باتباع الدين الاسلامي، وفي ذات الوقت تعتبر ثروة تشريعية كبرى محل اعتزاز وفخار الحضارة الاسلامية، ومنبع الاختلاف في استنباط الأحكام يرجع إلى تفاوت قدرات العقول البشرية والأفكار في فهم وإدراك أسرار التشريع وعلل الأحكام الشرعية وانعكس ذلك في فتاويهم التي حوتها كتبهم وأقولهم وكشفت عن الرؤى المختلفة بينهم بسبب تعدد مداركهم وتنوع مشاربهم، لذا قيل بحق من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه، ومن ثم فإن فتاوى الفقهاء لا تعدو أن تكون مجرد آراء اجتهادية متفاوتة في درجات الترجيح بين راجح ومرجوح، ولا تلزم إلا صاحبها، وغير ملزمة للغير بحسب الأصل ويجوز لقائلها الرجوع عنها إلى رأي فقهي آخر مما يتوجب تنظيم عملية الإفتاء".

فيديو قد يعجبك: