إعلان

"القتيل تحت المصطبة".. كيف تتعرف الأجهزة الأمنية على الجثث المدفونة في الخرسانة؟

02:40 م الجمعة 01 فبراير 2019

دفن الجثث داخل مصطبة اسمنتية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - نانيس البيلي:

"كل مجرم لا بد أن يترك أثراً له بمكان ارتكاب جريمته أو يترك مكان الحادث أثراً على جسمه أو ملابسه".. تلك هي القاعدة الذهبية التي وضعها رائد العلوم الجنائية "أدموند لوكارد"، ولا توجد جريمة مكتملة الأركان؛ لا بد أن يسقط من الجاني جزئية تكون هي دليل إدانته أمام أجهزة البحث الجنائي، كما أكد خبراء في الأمن والطب الشرعي تحدثوا لمصراوي، لكن رغم ذلك يتفنن المجرمون كل فترة في ابتكار طرقٍ جديدةٍ لإخفاء جريمتهم ظنًا منهم أنها ستحول دون كشفها، كان من بينها دفن الضحايا بـ"الصبة" والأسمنت، التي انتشرت خلال الشهور الآخيرة.

من بين تلك الجرائم التي شغلت الرأي العام الفترة الأخيرة؛ كان حادث قتل "شاب الشروق" ودفنه في حفرة بمطبخ شقة والد خطيبته ووضع "الفحم والزلط والأسمنت" فوقها، ثم "تبليطها بالسيراميك"، مروراً بقتل ترزي لعشيقته في منطقة "أرض اللواء" وتقطيع جسدها لجزأين ودفنها أسفل ماكينة الخياطة بالمحل وصبّ أسمنت عليها، ثم قتل مليونير ودفنه داخل "قبر أسمنتي" فوق سطح إحدى العمارات ببولاق.

1

لماذا انتشرت هذه الطريقة الإجرامية؟، وما الدلائل التي تشير إلى وجود جثة أسفل مصطبة الأسمنت، كيف يكون وضع الجثة داخلها؟ إلى أي مدى ستستمر؟، هل اختلفت طريقة معاينة مسرح الجريمة بعد انتشار هذا الأسلوب؟.. هذا ما يرصده "مصراوي" في هذا التقرير:

لماذا انتشرت هذه الطريقة الإجرامية؟

يعتقد اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن اللجوء لمثل هذه الطريقة هو لتفادي التحرك بالجثة من أجل إخفائها، فيقول إن تقدم وسائل الاتصال والرصد، وانتشار الكاميرات في الشوارع وأمام أغلب المحلات، بجانب وجود الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات في أيدي الناس؛ أدى كل ذلك إلى صعوبة نقل المجرم لجثمان ضحيته خارج مسرح الجريمة "دلوقتي أي منظر مش طبيعي الناس بتروح مصوراه، فيقام عليه الدليل من واحد ميعرفوش خالص أو من كاميرا في الشارع"، مشيراً إلى أن جرائم كثيرة تم التوصل لمرتكبيها بتلك الطريقة.

طريقة إخفاء الجريمة تختلف حسب ثقافة ورؤية الجاني، بحسب الدكتور جميل صبحي، أستاذ الطب النفسي، فيشير إلى أن معظم المجرمين حاليًا يطلعون على وسائل الإعلام المحلية والعالمية ويشاهدون أفلامًا ويقرؤون روايات تتناول طريقة دفن جثة الضحية بالأسمنت، فيستمدونها منها ويبدؤون في تنفيذها، مثل الحوادث الأشهر عبر التاريخ لريا وسكينة "ممكن يكونوا خدوا الفكرة منهم، في الأول جرايمهم ماكنتش بتتعرف لكن على المدى طويل بدأت تكتشف"

الدكتور مصطفى فودة، كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، يرى أن المجرمين يعتقدون أنهم بذلك يخفون جريمتهم بالكامل وأن دفن ضحيته بتلك الطريقة لن يؤدي إلى خروج رائحتها، ولن يعلم أحد بجريمتهم، ويضيف أنه على العكس فإن تلك الطريقة تفيدهم كثيراً كأطباء شرعيين في تحديد تاريخ الوفاة؛ "لأن بتبقى أجزاء كتيرة من الجثة محتفظة بهيكلها، والعضم لو ظل 100 سنة مدفونًا ممكن نعرف صاحبه عن طريق تحليل الـ(DNA)".

(والد خطيبة طالب الشروق يمثل جريمة القتل)

ما عمق الحفرة التي يصنعها المجرمون؟

غالبًا يحفر المجرم حفرة بعمق بسيط تسع لدفن جثمان ضحيته، تتراوح بين 60 لـ80سم، بحسب الدكتور مصطفى فودة، كبير الأطباء الشرعيين الأسبق "بتبقى على وش الأرض، يدوب يغطيها بالتراب"، بعدها يضع الجثة ويصب عليها الخرسانة "أسمنت وزلط"، وقد يلجأ إلى استخدام "الفحم" اعتقاداً منه أنه يطمس الرائحة، كذلك يمكن أن يقوم بـ"التبليط" فوقها.

يمكن أن يكون عمق الحفرة (مترين)، لكنه سيحتاج إلى أدوات حديثة للحفر وإزالة الركام، كما يذكر الطبيب الشرعي، وقد يحفر الجاني عمقًا كبيرًا جداً يصل إلى 3 أو 4 أمتار على الأكثر، غير أنه سيحتاج إلى مجهودٍ شاقٍ وسيستغرق وقتًا طويلًا قد يصل لأسبوع إذا كان بمفرده؛ لكنه احتمال مستبعد؛ "لأنه هيودي التراب ده كله فين، لو خرجه بره هيبقى مكشوف للناس؟".

دلائل تشير إلى وجود جثة أسفل مصطبة الأسمنت:

"مسرح الجريمة هو مستودع سرها".. يعد هذا من الأقوال المعروفة في البحث الجنائي، ومن بين الدلائل التي غالبًا ما يزخر بها مكان الحادث:

خروج رائحة الجثة الكريهة والديدان واليرقات والذباب من المصطبة؛ إذا كان عمق الحفرة الخرسانية بسيطًا بحد أقصى 2 متر، بحسب "فودة"، لكن تلك الآثار تختفي بعد ذلك العمق، فيما تستطيع الكلاب البوليسية شمٌ رائحة الجثمان حتى لو كان على بعد عدة أمتار، بحسب اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق.

ملاحظة الآثار المادية الموجودة؛ أمر هام خلال معاينة مسرح الجريمة، بحسب مساعد وزير الداخلية الأسبق "زي بلاط صبته حديثة واللي جنبه قديم، أو فيه جزء بالأسمنت معمول جديد، والتغيير في الحيطان والأرضيات، ولو فيه أماكن طلاؤها حديث.. كل ده بيلفت النظر أكيد".

يقول كبير الأطباء الشرعيين إن الجثة توضع في الحفرة بحجم معين، لكن بعد تحللها فإن سوائل التعفن يمكن أن تؤدي لانتفاخ أو انكماش الجثمان "فبالتالي بتقلّع وتقلقل البلاط من مكانه وبيكون فيه مسافات".

إذا تشكك أفراد البحث في تواجد المجني عليه بمكان معين وعدم خروجه منه، قد يلجأون لتحليل الـ(DNA) من مكان الدفن، ويشير "فودة" إلى أن الـ(DNA) شيء دقيق جداً ويمكن من خلاله اقتفاء أثر الجثمان حتى لو تم دفنه بعمقٍ كبيرٍ أو التخلص منه بإذابته بحمض الكبريتيك "وده زي اللي حصل مع جمال خاشقجي، عرفوا من الأثر المتبقي من الـ(DNA) بتاعه؛ لأن الدم كان اتغسل".

2

كيف تكون الجثة داخل المصطبة الأسمنتية؟

"الصبة" والأسمنت تحافظ على الجثة من التحلل أطول فترة مقارنة بدفنها في المقابر العادية أو إلقائها في الطل بالشارع، وفق ما يقول كبير الأطباء الشرعيين "عشان مفيش هواء بيوصلها فالبكتريا مبتشتغلش"، لافتًا إلى أنها تشابه طريقة القدماء المصريين في دفن جثث موتاهم عن طريق وضعها في "الجبس" للحفاظ عليها.

(عاملان قتلا "ثري" ودفناه فوق داخل قبر أسمنتي فوق سطح عمارة)

بعد انتشارها.. هل اختلفت طريقة معاينة مسرح الجريمة؟

بعد ابتكار المجرمين حيلاً جديدة لإخفاء جثث ضحاياهم، أصبح أفراد الأمن على يقظة تامة ويحرصون على قوة الملاحظة خلال معايناتهم مسرح الجريمة، بحسب مساعد وزير الداخلية الأسبق، لذلك يركزون على ملاحظة الآثار المادية الموجودة (سالفة الذكر)، فمثلاً عند معاينة مكان ما مثل حديقة، يدققون النظر في أطوال النباتات الموجودة "بنشوف لو فيه جزء من النباتات أقصر من اللي جنبه، فبنضطر نفحص الجنينة ونحفر وندور على الجثة.. من طول النباتات بنعرف عمر الدفن والميت اتقتل امتى".

بعد عمل التحريات الأمنية حول اختفاء الشخص، والتأكد إن الضحية لم يغادر مكانًا ما "إن الشهود يقولوا إحنا ماشوفناهوش خرج من المكان ده، أو الكاميرات تثبت كده"، عقب ذلك يبدأ البحث عن أي آثار مادية موجودة، ويبدأ أفراد الأمن في وضع كل الاحتمالات الممكنة، يكون من بينها التخلص من الجثة بدفنها أسفل مصطبة أسمنتية "زي جريمة قتل جمال خاشقجي، بعد ما اتأكدوا إنه مخرجش من السفارة فضلوا يدورا لحد ما عرفوا قتله عن طريق بصمته الوراثية في المكان".

3

هل ستستمر هذه الطريقة؟

كل فترة تنتشر طريقة معينة لارتكاب الجريمة؛ يعتقد المجرمون أنها لن تخطر ببال رجال الشرطة، تستمر لمدة معينة حتى يتم اكتشافها، بعد ذلك يبدأ الجناة في تغييرها والبحث عن طرق وأساليب جديدة، كما يقول الطبيب النفسي "جميل صبحي"، مشيراً إلى أن نفس الأمر ينطبق على أسلوب دفن الجثث في المصطبة، حيث سيبدأ مرتكبو الجرائم في التخلي عنها تدريجيًا؛ ثم تغييرها؛ "لأنهم هيلاقوا الشرطة بقت عينيها مفتحة وبتركز عـ الطريقة دي".

ويلفت "صبحي" النظر إلى واقعة مشابهة حدثت سابقًا؛ حينما انتشرت طريقة إحراق الجثث بمياه النار الكاوية؛ ظنًا من المجرمين أنها ستخفي أي أثر لجريمتهم، لكن بعد اكتشاف أفراد الشرطة لطريقتهم غيروها وابتدعوا طرقًا أخرى.

فيديو قد يعجبك: