إعلان

جونتر جراس.. الألماني الحاصل على نوبل في الآداب و"إثارة الجدل"

06:15 م الإثنين 13 أبريل 2015

جونتر جراس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

في مدينة لوبيك الألمانية، سوف يكون هناك كتابا مفتوحا؛ سيتوافد المعزون لمنزل الكاتب الراحل لتوّه "جونتر جراس" كي يسجلوا رسالة أخيرة له في الصفحات، لا يعلم أحدهم ماذا سيُكتب؛ هل سيكون المديح منهج من عايشوا "جراس" الحاصل على نوبل في الآداب، أم سيشعرون تجاهه بالرثاء بعد ما زج بنفسه في معركة مع إسرائيل حين هاجمها، هل سيفتقدون جرأته الفجائية، أم سيرون أن معارضته لإسرائيل كانت كارتونية أمام عدم اعترافه بحق الفلسطينيين كاملا في الأرض، ذهب الكاتب عن العالم وعُمره يناهز 87 عاما، تاركا وراءه تساؤلات طرحتها آراءه، ليجيبها أعداؤه ومشجعوه معا.

"لماذا أصمت، لقد صمتّ طويلا عما هو واضح وما أنا معتاد على محاكاته"؛ كان ذلك مطلع قصيدة "ما يجب أن يقال" لـ"جراس"، أبيات كتبها الأديب عام 2012 ففتح على نفسه نيرانا، حين عارض سياسة إسرائيل النووية ضد إيران، صارت الاتهامات تنهال على رأسه؛ أولها معاداته السامية، وهو ما علمه مسبقا وأعلن عنه في القصيدة قائلا: "في الأفق تلوح عقوبة لمن يتجاهلهما؛ الحكم المألوف: معاداة السامية".

كان "جراس" كاتبا ذي ثقل في الأوساط الألمانية والعالمية، غير أن آراءه السياسية ظهرت بشكل ضخم في السنوات الأخيرة، حملت حياته مغامرات تليق بشخص ولد في ألمانيا عام 1927، واختار بمحض إرادته الالتحاق بسلاح الغواصات الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية ليتم أسره من قبل القوات الأمريكية، وإطلاق سراحه عام 1946، أي بعد الحرب بعام. كان "جراس" حادا في تنقلاته الحياتية؛ ينتهي من أمر القتال والحرب، فيلتحق بمجمع الفنون في دوسلدورف، ليدرس فن النحت، يكمل الدراسات العالية بجامعة برلين للفنون 1956؛ ثم يوازن بين دراسته للفن وعمله الشاق في أحد المناجم.

ليست إسرائيل الدولة الوحيدة التي عارضها "جراس"؛ رفض ترحيل الأكراد عام 2003 قبل أشهر من الغزو الأمريكي للعراق، عبّر عن تضامنه مع ضحايا العمل القسري في عهد النازيين، رغم أنه كان عضوا في قوات "إس إس" النازية أثناء الحرب، أبدى استياءه في القصيدة الشهيرة من صمت ألمانيا المطبق ضد إسرائيل؛ كان "جراس" يساريا مستقلا، مكروها من قبل إسرائيل بطبيعة الحال، ومحل انتقاد من بعض المعارضين لسياسات دولة الاحتلال، رغم أنهم في نفس معسكره، لكنهم عابوا ميوعة كلماته تجاه فلسطين وإسرائيل.

"أريد مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وجميع من يعيشون متكدسين جنبا إلى جنب، في هذه المنطقة التي احتلها جنون العداء"، كان ذلك التصريح سببا كافيا لانتقاد المؤرخ الألماني "رينيه فيلدانجل" لـ"جراس"، مبينا أن الأديب لم يتطرق إلى الاعتراف بسوء الوضع في قطاع غزة، لم يعترف أن جنون العداء ليس هو ما اجتاح غزة والضفة الغربية، بل إسرائيل. يرى المؤرخ أن قصيدة "ما يجب أن يقال" أخذت أكبر من حجمها، لأنها تجاهلت المشكلة الأصلية المتعلقة بسكان غزة، خاصة وأن الأبيات كُتبت في إبريل من نفس العام الذي شُن فيه القصف الإسرائيلي على القطاع في نوفمبر.

أما الذين يرون "جراس" بطلا فقد اكتفوا بانتقاده سياسات إسرائيل، فذلك شبه محرم داخل ألمانيا، بسبب الهولوكست الذي نفذه هتلر باليهود، لذا فالشخصيات العامة هناك تنأى بنفسها عن الجحيم الذي سيبتلعهم إذا ما تحدثوا عن إسرائيل بسوء.

قال الأديب الراحل عن نفسه بالقصيدة أنه صمت طويلا عن مشاركة ألمانيا في جرائم إسرائيل ضد السلام العالمي الهش أصلا، ويبدو أن صمته اقترن بالصبر دائما؛ فهو لم يحصل على جائزة نوبل للآداب، إلا عقب 40 عاما من نشر روايته الأولى "طبل الصفيح" التي خرجت للنور 1959، خلالها كان يتبع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بألمانيا، ويبدو أن أبياته الشهيرة كانت مجرد بداية لاستكمال نقده اللاذع لكل ما لا يعجبه، فقد وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها "جبانة سياسيا" بسبب موقفها تجاه تجسس وكالة الاستخبارات الأمريكية على ألمانيا.

رحل "جراس" الممنوع من دخول إسرائيل عن العالم صباح اليوم، لكن إثارته للجدل لازالت حاضرة، قد تكتبها أيادي الذين سيمرون على دفتر التعازي الموجود بمنزله، أو تُرى من خلال تلميح اتحاد الكُتاب العبريين الذي نعاه صباح اليوم، لكن قال رئيسه في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية إن "جراس قام بحملة سياسة لنزع الشرعية" ضد إسرائيل"، ولم يظهر ندما حتى وفاته على رأيه، لذا لم يغفر له رئيس الاتحاد فعلته تلك ولا انضمامه للقوات النازية أثناء الحرب.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان