إعلان

يوميات حُراس أبراج الكهرباء.. مواطنون على أرض المغامرة

12:56 م الأحد 21 سبتمبر 2014

محمد خضير شيخ قبيلة العمارين بالسويس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

قبيل الثانية عشر منتصف الليل يتحرك سنبل أبو سيد من منزله، متخذا طريقه بين الجبال إلى منطقة وادي حوف، حيث ستبدأ الوردية حتى الصباح، على عجل يُلقي السلام على أصدقائه الخمسة، قبل أن يتجه كل منهم إلى برج الكهرباء الذي وُكل بحراسته، لا يعرف ''أبو سيد'' مهنة غيرها، يعلم أن المخاطر كبيرة، لكن العمل خارج الجبال حيث عاش سيكون صعبا، يمارس المهنة منذ اثنتي عشرة عاما، والأيام الأخيرة التي حملت تفجيرات ومحاولات لتخريب أبراج ومحطات الكهرباء بمصر جعلت المسئولية أكبر حملا، يتلقى الأوامر بالتحرك من موقع لآخر من شيخ القبيلة، الذي بدوره اتفق مع الشرطة لتأمين الأبراج، وكذلك فعل شيوخ البدو تطوعَا منهم لمساعدة الدولة، مُلقين بأنفسهم ومواطني قبائلهم في مواجهة المخاطر، قائمين بدور المواطن الراغب بالمساعدة والمحقق والشرطي.

''البدو تولوا الدور الوطني بدون مُقابل مادي بالتنسيق مع الأمن''، قال ''محمد خضير''، شيخ قبيلة العمارين بالسويس، لا يرى أن ذلك تفضل منهم على الدولة خاصة أنهم وضعوا خطط مُحكمة على حد تعبيره للحفاظ على سلامة الأبراج؛ فيبدأ التأمين نهارا بتواجد حارس على كل برجين أو ثلاثة، حيث تكون المسافة بين كل برج والثاني نصف كيلو تقريبا، يتحول الأمر ليلا إلى حارسين على برج واحد ''لأن الهجوم بيحصل بالليل دايما''، وفي جميع الأحوال يكون الحرّاس على اتصال بزملائهم وشيخ القبيلة حال حدوث أي مشكلة.

بطاقة الهوية والسؤال عن أسباب المجيء للمكان هي الأسئلة التي يطرحها الحارس عادة على التائهين أو التي تقترب سياراتهم من المكان ببطء ''وأحيانا لما بيلاقي عربية بتمر أكتر من مرة بيبلغ زميله وبنعرّف الشرطة اللي بتشتبه وتفتشها''، لا يتلقى القائمون على الحراسة تدريب بعينه، يعيشون وسط الجبال فهم الأقدر على معرفة ما يحتويه المكان ''إحنا قبيلة فالناس عارفة أشكال بعض كويس جدا''.

تمتلك كل قبيلة موجودة في صحاري مصر مساحة مُحددة من الكيلوات، فقبيلة العمارين يدخل في زمامها حوالي 70 كيلو متر على طريق السويس-زعفرانة، فيكون على شيخ القبيلة أن يحمي ورجاله المنشآت الموجودة ''زي خطوط البترول ومحطة إنتاج الطاقة بالهواء بالإضافة لمحطات الكهرباء''، لا ينزعج ''خضير'' من تولي المواطنين حماية الأبراج ''دة جزء من خطة أكبر للدولة في الحماية.. لأن مشايخ القبائل تابعين لوزارة الداخلية لكن اللي بيأمنوا متفهمين أزمة الدولة.. مش هينفع الحكومة تحط عسكري على كل برج''، لم تحدث إصابات بين نوبات الحراسة المختلفة في منطقة ''خضير'' حتى الآن رغم أن المنطقة حيوية.

أكثر ما يضايق ''أبو سيد'' _حارس منطقة وادي حوف_ ذو الخامسة والثلاثين، أن المقابل المادي الذي يحصل عليه لا يكفيه، يضطر للعمل لضيق ذات اليد ''والعساكر حتى لو جم هنا مش هيعرفوا المنطقة زينا.. إحنا ولادها''، لا يُحب التحدث عن المبلغ الذي يحصل عليه شهريا سوى أنه أقل من الألف جنيه ''ولو ألف جنيه.. هما يعملوا إيه في الزمن دة؟''.

قبل ثورة 25 يناير 2011 اعتاد ''حسين إبراهيم''، شيخ قبيلة العامرين أن يُعين حارس من أبناء المكان على عدة أبراج، إلا أن الحال صار أكثر خطورة هذا العام، لذا يحاول الحراس تأمين أنفسهم بسلاح ''غير مُرخص''، من منطقة الصف جنوب حلوان وحتى الكريمات يقع زمام تلك القبيلة، ولقربهم من أكثر المحطات أهمية فلم يسلم الأمر من تعرض لهجوم تم منعه قبل أن يُكمل صاحبه المهمة ''الخفر لحقوا واحد وقع عمود كهرباء عندنا وبدأ يجري بعربية.. اتحركوا وراه قفشوه وكان معاه منشار وفيه 3 هربوا''، ثم قاموا بتسليمه للشرطة.

''الدولة هتأمن إيه ولا إيه؟.. لازم نساعد''، ذلك هو لسان حال شيخ القبيلة، في بعض الأحيان يتعامل رجال الشرطة الذين يمرون بالمنطقة مع رجاله بشيء من الشدة ''مش بيبقوا عارفين إنهم بيأمنوا.. وساعات بيعملولهم محضر في القسم ومحدش بيخرّجهم غير شيخ القبيلة''، تمتد المنطقة التي يرأسها ''إبراهيم'' على مدى 20 كيلو، يحافظ ورجاله على ما فيها قدر المستطاع، الحادثة التي مرّوا بها وحتى محاولات التفجير بالكريمات لم يزعجاه ''اللي بييجي يفجّر هو اللي هيتعور مش الحارس''.

يتضامن حامد أبو عيد شيخ قبيلة العمارات الممتدة على طريق وادي حوف، _والتي ينتمي لها الحارس الثلاثيني ''أبو سيد''_ مع حراسه، يعلم أن الأجور ضعيفة لكن لا حيلة له بذلك على حد قوله ''احنا بنعمل عشان خاطر البلد.. بس عايزين شركة الكهرباء تساعدنا عشان الغلابة اللي بيحرسوا الأبراج.. ولازم الوزارات كلها تساهم''، أحيانا لا يحصل الحارس على راتبه، ويستمر الحال لفترة لعدم وجود أموال كافية لدى شيخ القبيلة بالإضافة إلى أن ''الحارس معندوش وسيلة مواصلات يتحرك بيها من بيته وهو ساكن في صحراء''، يتعامل أبناء القبيلة مع الذهاب لحماية الأبراج كأمر واقع ''لأنه معندوش مصدر رزق تاني.. فبينزل بدل ما يقعد في البيت''.

قال ''أيمن عبد الوهاب''، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن حماية الأبراج من قبل حراس عاديين غير تابعين للشرطة، أمر لا يدين الدولة ومتعارف عليه في حالات الضرورة، بل اعتبره أمر يدفع المواطن للشعور بمسئوليته الاجتماعية خاصة داخل الدول النامية، وأوضح أن مصر تواجه مع جرائم غير منتظمة، لذا يجب التعامل معها بشكل مُبتكر، مشددا على أن ما يجب مراعاته هو تنظيم مشاركة المواطنين في حماية الدولة ومنشآتها والإشراف عليه كي لا يتحول الوضع إلى فوضى.

تعوّدت زوجة ''أبو سيد'' على ذهابه الليلي يوميا لحماية الأبراج، أمسى الخوف عليه من هجوم مباغت ليس خيارا مطروحا، الأطفال الثلاثة الذي يبلغ أكبرهم 4 سنوات لم يعلموا بعد حجم الخطر، لا يهتم ابن قبيلة العمارات باحتمالية الموت أو الإصابة التي قد لا يُعوضه أحد عنها ماديا قدر ''أكل العيش'' الذي تقتات منه أسرته الصغيرة.

حكاوي الناس مع ''الضلمة وسنينها'' (ملف خاص)

لمتابعة باقي الموضوعات

الشموع والكشافات الكهربية.. ''رزق الظلام''

جيران ''قسم الطالبية'' خارج دائرة ''تخفيف الأحمال''

''إبراهيم''.. ''ظلام متقطع'' أسوأ من ''عمى دائم''

''محول'' مصري الصنع.. آخر المحاولات الشبابية لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية

موظفون على ''خط'' النار.. والسبب شكاوى ''النور''

مصراوي يسأل: لما بتشوف مؤشر الاحمال بتعمل ايه؟

سكان ''بطن البقرة''.. الحياة تحت رحمة ''وصلة كهربا''

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: