إعلان

«أولمبياد الشارع».. ألقاب من ورق وميداليات على «اللي يشيل»

05:31 م الأحد 08 أغسطس 2021

أولمبياد الشارع

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتابة وتصوير- عبدالله عويس:
غلاف- أحمد مولا

على ضفة أخرى من الملاعب والمسابح والميداليات الأولمبية في أولمبياد طوكيو التي انتهت فعالياتها اليوم، تنعقد دورات للألعاب الصيفية على أراض ترابية، بلا حكام أو صافرات أو بطولات دولية.

منافسات يحكمها الحماس والهتافات، وتتوجها الألقاب الشعبية، يكون فيها الفوز زهوا، والهزيمة عارا، في عالم مواز قد يطلق عليه «أولمبياد الشوارع».

تحمل جدران الأزقة والحواري، تاريخا طويلا ممتدا لأقدم أولمبياد شعبية، ذات قواعد ومفردات خاصة تفرضها الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمناطق الشعبية.

انتصار بلا ميداليات، وفوز لا يتجاوز التقدير المعنوي، مقابل كوب عصير قصب بارد يهدأ من سخونة مباراة تجرى تحت أشعة الشمس الحارقة، لكن يظل ذروة الانتصار، إعفاء الفريق الفائز من دفع ثمن اللعبة مقابل تكبد الفريق الخاسر عملا بقاعدة «اللعب على اللي يشيل».

يحدث أحيانا في هذا العالم، عقود احتراف، وانتقال من شارع لشارع بحثا عن «حريف»، وسعيا في الحصول على لقب «الأسطورة أو الشبح» على مستوى المنطقة.

1

لا تمنح خبزا

قبل 14 عاما، كان محمود حسين بطلا رياضيا ملء السمع والبصر في لعبة تنس الطاولة بمحافظة القليوبية، بعد أن حقق المركز الثالث على مستوى مدارس المرحلة الإعدادية.

ظل حسين أحد أشهر أبناء منطقته بشبرا الخيمة مهارة في اللعبة، قبل أن يغادرها دون حفل وداع، متجها إلى العمل في مصانع الملابس تحت ضغوظ وفاة والده، فالرياضة بحسب الشاب «لن تمنحني خبزا».

2

ودع الشاب ذو الـ27 عاما، تلك اللعبة منذ طفولته، غير أن غواية التردد على طاولاتها المنتشرة في الشوارع لا يزال يجرى في عروقه، لينال إعجاب وصيحات المتابعين.

ويقف حسين لساعات ممسكا مضربه، بينما يتبادل عليه العشرات حتى يُهزم طواعية أمام أحدهم، ويصبح هناك بطل جديد يُكمل اللعب أمام أقرانه: «المولودون مثلي في المناطق الشعبية، يحترفون بعض الألعاب في طفولتهم مثل البينج بنج (تنس الطاولة)، والبلياردو، وفي المقام الأول كرة القدم».

3

للعبة تنس الطاولة قواعد عالمية معروفة، أبرزها عدم إرسال الكرة ويد اللعب داخل الطاولة، وعدم لمس اللاعب لأي جزء من الطاولة بيديه أو جسده، لكن تلك القواعد غير معترف بها كثيرا في أولمبياد الشوارع.

وإذا كان للطاولة أيضا أبعاد محددة، ومضارب وفق مواصفات معينة، فإنها كذلك تخضع لمرونة كبيرة: «الحصول على لقب أفضل لعيب في لعبة ما على مستوى المنطقة، هو المكسب الحقيقي»، بحسب محمود حسين.

4

اللعب تحت خط الفقر

على بعد أمتار من طاولة اللعبة، يجلس مؤمن محمد لمتابعة الجولة، ليس عشقا في اللعب بقدر جني حصادها من خلال جنيهات يدفعها اللاعب والتي تتراوح بين جنيهين ونصف الجنيه للعب الفردي وخمسة جنيهات للعب الزوجي «وهذه أسعار رخيصة إذا ما قورنت بملاعب الأندية أو المناطق الراقية» بحسب مؤمن.

5في أولمبياد الشوارع، أشكال مختلفة للعب الدراجات، وقد تكتسب بعض تفاصيل الأسلوب الحر في دراجات «بي إم إكس»، والدراجات على المضمار، والطريق، والجبال، لكنها في الشارع ذات نمط محدد، يتمثل في سباق يقطع المشتركون فيه عدة طرق بعينها، ومن يصل أولا يحمل لقب «الفائز».

6ورغم عشق محمود ياسر لسباق الدراجات، فإنه لا يستطيع سوى اللعب لمدة نصف ساعة، لأن استئجار الدراجة في هذه المدة يبلغ 5 جنيهات وهي جزء كبير من مصروفه اليومي طوال أيام الدراسة وفترة الإجازة. ويلعب الصغير الذي لم يكمل عامه الـ15، رفقة جيرانه: «لا أعرف كثيرا عن الأولمبياد، لكنني أقود الدراجة بمهارة كبيرة، وأستطيع الفوز في أي سباق» يقولها متفاخرا بنفسه.

يعمل سامي على (16 عاما) في محل لتأجير الدراجات، ويتسلم الجنيهات من اللاعبين ليمنحهم الدراجات بأسعار محددة، لكنه قد يقبل بأسعار أقل وفقا لظروف رواده، كما حدث معه حين أتاه طفل في العاشرة لا يملك سوى جنيهان: «في هذه الحالة أمنحه وقتا بمقدار ما دفع لي، أو أتركه لوقت آخر إضافي، الجميع يحب اللعب، لكن ليس بمقدور الجميع دفع الثمن».

7وتبلغ نسبة الفقر في مصر 29.7% بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للعام المالي 2019/2020، ويأتي الإنفاق على الثقافة والترفيه في ذيل قائمة إنفاق المصريين بنسبة 2.3% بعد الطعام والشراب، والسكن، والرعاية الصحية والخدمات وغيرها.

أحلام سقطت بالتقادم

«هذا الطفل ظروفه صعبة، يلعب بأسعار رمزية أو مجانا في كثير من الأحيان» قالها وليد الصبروتي، الذي وضع أسفل منزله بشبرا الخيمة، طاولتي بلياردو سعر المباراة فيها 3 جنيهات: «سعر أقل بكثير من المحيطين بي»، وهي لعبة لم تسجل في الأولمبياد الحالية، لكن هناك مساعي لإدراجها ضمن الألعاب الصيفية.

8_1

الصبروتي الذي أتم 40 عاما، كان يحلم منذ طفولته بأن يكون لاعبا شهيرا لكرة القدم. قطع شوطا في ذلك الأمر ودخل اختبارا في أحد الأندية وتم قبوله كناشئ، لكن والده منعه من اللعب لاستكمال دراسته.

لم يجد أمامه سوى الالتحاق بمعهد اتصالات والعمل في مجاله لسنوات، قبل الاتجاه للبلياردو وألعاب الفيديو: «لمهارتي في اللعب كان كثيرون يأتون لمشاهدتي، كنت نجما وأنا في سن صغير، لكن كل شيء تغير».

9
على بعد خطوات من وليد كان نجله محمد يلعب مع طفل آخر أمام طاولة البلياردو، يقول الصغير الذي يدرس في المرحلة الابتدائية، إنه يهوى تلك اللعبة، كما يهوى لعبة كرة القدم، التي يتمنى أن يكون له فيها شأن كبير.

وعلى عكس وليد الذي لم يلق دعما من والده للعب كرة القدم، فإنه يسمح لصغيره بالذهاب إلى تدريبات للكرة: «لا أريده أن يكبر ويعتقد أنني كنت أمانع ولعه بالرياضة».

10في مباريات كرة القدم بالشارع، لا يهم زي اللاعب أو طبيعة حذاء قدميه، الأهم أن يكون لاعبا ماهرا، أو ن يكون صاحب الكرة، أيا كان شكها. والمرمى قد يكون أحد أبواب المنازل، أو حجارة مكومة عن اليمين واليسار.

11يتابع وليد ما يجري في أولمبياد طوكيو بشكل كبير والنتائج التي تحققها مصر في تلك الألعاب. كان يتمنى أن يكون تمثيل مصر أقوى في الألعاب التي خاضتها، لكنه يعود بعد شرود ليقول: «ربما كان هناك أبطال آخرون منعتهم ظروف الحياة من استكمال لعب رياضتهم المحببة، وسمعنا كثيرا عن نجوم في عالم الرياضة بدأوا اللعب من الشارع».

وأنهت البعثة المصرية في طوكيو 2020 مشوارها الأولمبي صباح اليوم، الأحد. واستقرت في المركز الـ54 عالميا. وحصدت لاعبة الكاراتيه فريال أشرف، على أول ميدالية ذهبية، تحققها مصر منذ عام 2004. وأحرز أحمد أسامة الجندي الميدالية الفضية في ألعاب الخماسي الحديث. فيما حصلت جيانا فاروق لاعبة الكاراتيه، وهداية ملاك، وسيف عيسى، لاعبا التايكواندو، ومحمد السيد لاعب المصارعة، على الميدالية البرونزية في ألعابهم.

أولمبياد ذكورية

أمام طاولة للعب تنس الطاولة، وقفت فتاة لم تتم الـ10 أعوام، تطلب من العامل في المكان مشاركتها اللعب. لكنه أصر على الرفض، ونصحها بمغادرة المكان وعدم التردد عليه مجددا. يقول الشاب الذي فضل عدم نشر اسمه: «لا يصح للفتيات أن تلعب وسط الصبية، هذا أمر خطير عليها في منطقة شعبية».

وفي أولمبياد طوكيو 2020، شاركت هنا جودة، ذات الـ13 عاما، في لعبة تنس الطاولة، كأصغر لاعبة مصرية تشارك في الأولمبياد. وترى هنا في اللاعبة المصرية دينا مشرف قدوتها الأعلى. وشاركت الأخيرة أيضا في منافسات طوكيو 2020، وتعد أول لاعبة مصرية تدخل ضمن قائمة أفضل 50 لاعبة في العالم.

ورغم التفوق اللافت والإنجاز الذي حققته النساء في مختلف ألعاب أولمبياد طوكيو 2020، والمشاركة القياسية لهن بنسبة 48% من إجمالي المشاركين، تظل أولمبياد الشوارع حكرا على الذكور دون الإناث، وفقا لتقاليد المناطق الشعبية التي تضع قيودا على مشاركات الفتيات في مختلف الأنشطة، لتكون «أولمبياد ذكورية بإمتباز».

محاكاة شعبية

من بين 33 لعبة في أولمبياد طوكيو 2020، يتشابه بعضها فيما تشهده أولمبياد الشوارع كتنس الطاولة وكرة القدم وسباق الدراجات، أو الرماية ببندقيات الضغط الهوائي، التي يتم تلقيمها بالطلقات على مراحل، ويكون الهدف مفرقعات صغيرة يصيبها اللاعب، ويحصل الفائز في بعض الأحيان على مكافآت من صاحب اللعبة، أو يدفع الخاسر نظير ما لعب.

12والرماية أبرز الألعاب المنتشرة قديما، لا سيما في الموالد التراثية أو المناطق الشعبية، وكان أشهر أشكالها عروس تتوسطها لتحمل المفرقعات الصغيرة، وما إن تصيبها الطلقة حتى تحدث صوتا مرتفعا، معلنة فوز اللاعب بنقطة. لكن اللعبة انحسر انتشارها مؤخرا على وقع حظر وزارة الداخلية لاستخدام البنادق والطلقات والألعاب النارية عموما.

13كما تضم الألعاب الصيفية في الأولمبياد، ألعابا مائية، كالغطس والسباحة وكرة الماء، وبعض تفاصيل تلك الألعاب تجري على نحو مختلف في بعض المناطق الشعبية كبركة الملك فاروق في دهشور بمحافظة الجيزة، أو القناطر الخيرية، حين يلقي الصبيان أجسادهم في الماء، لكسر درجات الحرارة المرتفعة، ومن يحقق أفضل طريقة في القفز وأكثرها غرابة يجني الإعجاب وينال التصفيق.

14وإذا كانت الفروسية أو ركوب الخيل ضمن ألعاب الأولمبياد، فإنها على المستوي الشعبي منحصرة في بعض الأماكن التي تشتهر بتأجير الخيول مثل نزلة السمان بمنطقة الهرم، أو القناطر الخيرية، أو حتى عند بركة الملك فاروق. وتكون في أوقات معينة من السنة كالأعياد. وتعد مرتفعة السعر نسبيا، فقد تصل الساعة إلى 80 جنيها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان