إعلان

"كرم الدالية".. رحلة محامية فلسطينية لتوثيق موروثها الغذائي

04:05 م الأحد 20 ديسمبر 2020

رحلة محامية فلسطينية لتوثيق موروثها الغذائي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت :هبة خميس

على مائدة دائرية تراصت أطباق عدة و كؤوس أسفل كرمة العنب، مائدة كبيرة تحوي عدة أصناف يجمع بينها شيء واحد وهو "الدالية"؛ نبتة العنب.

من صغرها اعتادت "شيماء حمد"، المحامية الفلسطينية، الالتفات إلى تراثها الغذائي، الطبخ والتركيز على عناصر الغذاء الداخلة فيه، وكيف يخرج المنتج النهائي في شكل أطباق شهية كان من ضمن اهتماماتها، ومنذ سنوات قليلة ركزت "حمد" بشكل خاص مع المواسم الزراعية لبلدها فلسطين، فدونت تلك المواسم متى تبدأ و متى تنتهي طوال عام كامل: "كنت بكتب في رزنامتي امتى يبدأ الموسم وبدأت بموسم العنب اللي يبدأ من شهر يوليو وبينتهي بشهر سبتمبر، ومن شهر مارس حتى مايو بيكون عندنا دوالي"، والدوالي هي نبتة العنب بأوراقها وسيقانها الرخوة التي تحتاج إلى سيقان تنمو عليها لتكون شيء يسمى بالـ"تعريشة" كرمة العنب.

لفت انتباه "حمد" كرمة العنب التي تجدها أمام أغلب البيوت الفلسطينية في مدينتها "رام الله"، تظلل البيت بشكلها المختلف وتعطي إنتاج مستمر للعنب ودواليه.

لم تتوقع "حمد" أن تلك النبتة ستخرج منها بقائمة طعام كاملة فظلت الفكرة في رأسها بسبب اهتمامها بالطبخ والموروث الغذائي الفلسطيني، ومهم بالنسبة لها مشاركتها الناس جزء من ذلك الموروث الغني كي يعرف الناس كم الابتكار والإبداع الموجود في ذلك التراث: "بسبب سرقة تراثنا طوال الوقت من الاحتلال القائم الذي لا يسرق الأرض فقط، إنما يسرق الموروث بالكامل من الغذاء للتطريز حتى الأغاني".

2..

في مدونتها كان موسم العنب هو الموسم الأول للاهتمام به، فقررت "شيماء" الحركة لسماع الحكايات من الناس حول تلك النبتة الساحرة، بين مدينة "رام الله" ومدينة "الخليل" حوالي ثلاث ساعات من الوقت قطعتهم "حمد" بسبب شهرة المدينة بالعنب بدرجة أنه لا يوجد بيت هناك لا يخلو من كرمة العنب، تحدثت "حمد" مع الناس من كل مناطق مدينة الخليل وجمعت حكايات كثيرة وأغاني ومادة خصبة حول "العنب"، النبتة التي أحببتها وشعرت بعمق علاقتها كفلسطينية بها.

بدأت "حمد" في التخطيط وجمع المأكولات القائمة على العنب من مدينة الخليل، موطن أجمل أنواع العنب في العالم، فاحتوت القائمة على مقبلات وطبق رئيسي وأصناف جانبية وحلويات.

في الطبق الرئيسي اعتمدت على وصفة من مدينة القدس للكفتة الملفوفة في ورق العنب، ومن الخليل قامت بعمل "دبس العنب"، وهو من الموروثات من الحضارات القديمة، ووضعته على المائدة مع زيت زيتون. وفي بند الحلويات قامت بعمل وصفة من الخليل تسمى "خبيصة"، مكونة من "السميد" مع عصير العنب المعتق: "مدينة الخليل معروفة ببردها، فالخلايلة معروفين بأكلات مشهورة بياكلوها كي تدفيهم مثل الدبس والطحينية والخبيصة وأيضاً الدبس وزيت الزيتون"، وهناك أيضاً صنف مشهور يسمى "الشدة"، وهي تعطى للمرأة عقب الولادة لتغذيتها، ومشتق اسمها من جملة "شد حيلك"، لاحظت "حمد" أن علاقة الفلسطينيين بشجرة العنب لا تنتهي بانتهاء موسمه، فهناك مراحل لتجفيفه ليتحول للزبيب الذي يدخل في معظم أطباقهم.

في اليوم الذي أعدت فيه "شيماء" المائدة استضافتها عائلة من العائلات القديمة في بيتهم المسمى "دار زهران"، وأشرفت معها على التجهيز "الحاجة أديبة" بثوب فلسطيني مطرز وهي صديقة لعائلتها: "على الطاولة كل شيء له قصة"، بداية من قائمة الطعام حرصت "حمد" على تصميمها المراعي للتراث والفكرة التي تريد توصيلها، فأثناء زيارتها لمدينة الخليل كان هناك حمام قديم يسمى "حمام النعيم" مغلق بأمر الاحتلال، تواصلت "حمد" مع صاحبه عن كروم العنب وعلاقته به، فسمح لها برؤية نقوش الأرضية بالحمام المستوحاة من أوراق العنب، وأيضاً وجدت "حمد" المزيد من النقوش بالحرم بالإبراهيمي فاستوحتها في تصميم القائمة.

3..

على المائدة وضعت "حمد" عناقيد العنب، وارتدت ثوب فلسطيني مطرز بأوراق العنب، مع أغنية شعبية في الخلفية، مصاحبة لتناول الطعام تسمى "يا عنب يا مدلل"، ووضعت عصير العنب شبيه بالنبيذ، لأنه هناك ارتباط كبير بين تصنيع النبيذ والفلسطينيين، فكل دكان كان يحتوي على معصرة لصنع النبيذ مع انتشار الخمارات قديمًا، لكن شّحت تلك العلاقة أثناء الدولة العثمانية لتختفي معظم الخمارات وأماكن صنع النبيذ، وتكتفي "حمد" بعصير العنب الخالي من الكحول. وضعت "حمد" الكاميرا بشكل رأسي فوق المائدة لتلتقط حركة اليدين أثناء تناول الطعام كنوع من أنواع فنون الأداء البصرية وأثناء إخراجها لمقطع الفيديو ستضع الحكايات الشعبية التي سمعتها من الناس في الخليل حول العنب والأغاني.

4.

في صغرها لطالما سمعت "حمد" قصص عن كرمة العنب، وتحفظ القصص مثل قصة الشيخ مجاهد الذي داهم بيته سارق وقبل دخوله المنزل امتدت أفراع كرمة العنب المزروعة أمام البيت لتربط السارق حتى مجيء الشيخ: "احنا الفلسطينيين مؤمنين أنه كرمة العنب أمام البيت حامية وغير إنها نبتة بتعطي خصوصية وإنتاج، لكن ضل اعتقادنا فيها انها تحمي البيت".

تجمع على المائدة خمسة أشخاص يتناولون الطعام وحينما انتهى تسجيل المقطع فتحت "حمد" المائدة للأصدقاء لمشاركة الطعام بينهم والتراث الكامل الذي تحتضنه.

لم يكن ذلك المشروع الأول للمحامية "شيماء"، فمنذ فترة عكفت على تحضير مشروع بعنوان: "أثر التهجير على العائلات الفلسطينية"، فتتبعت خط سير أسرة خرجت من مدينة "يافا"، وتفرقت، فالأم ذهبت على مدينة "نابلس" والأب ذهب إلى مدينة "غزة" وتجمعوا في مدينة "رام الله"، فجمعت "حمد" مسار رحلتهم و كيف أثر التهجير عليها، فعملت مائدة عليها أطباق من كل الأماكن المشهورة بكل مدينة أقاموا فيها.

لا تكتفي "حمد" بعمل المقاطع والبحث في تاريخ المطبخ الفلسطيني، لكنها تسعى إلى توثيق ذلك الموروث، ومن خلال دراستها للحقوق تعرفت على منظمات كثيرة تعني بذلك الموروث، فوجدت منظمة باسم: "المنظمة العالمية للقهوة"، فطمحت "حمد" في تسجيل ذلك الموروث وتقديمه للعالم كي يتعرف عليه قبل أن تقوم سلطات الاحتلال بذلك، فحين صدرت لائحة اليونسكو للتراث سجلت إسرائيل نبتة "المرمية" ملكهم: "اليونان ضلت ترفع القضايا لسنين علشان تسجل الجبن الفيتا باسمها واتسجلت فعلا باسمها بسبب أسطورة يونانية، أنا مؤمنة بأن الإصرار بيجيب نتيجة".

5

دراسة "حمد" للحقوق جعلتها تعرف أن هناك الكثير من الاتفاقيات لتوثيق الموروث غير المادي، مثل الأكل و الرقص، فالأطباق ملكية فكرية وهوية لشعوبها، يجب أن تتمكن من توثيقها، لأنها تحمل تراث طويل جدًا من التجارب الغير مكتوبة للأجداد، لكن الأزمة التي تواجه "حمد" هي ضرورة وجود توجه دولي للتوثيق فلا يأتي من مبادرات فردية، وضربت "حمد" مثالًا على ذلك بعنب الخليل، الذي تعتبره الأجمل في العالم، إذا تم توثيقه فسيعرف العالم كله مصدره، وسيتعرف على القضية الفلسطينية، فيصير العنب هو الرمز الذي بنى عليه الفلسطينيين حضارتهم وغذائهم، والذي سيعرف العالم عليهم، فتصير المائدة رمز وقضية شعب بأكمله.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان