إعلان

الفحم الحجري: حين لا يصبح للقذارة بديلا

10:30 ص الأربعاء 09 أبريل 2014

محمد منصور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم- محمد منصور:

الطاقة والتنمية المستدامة صنوان لا يفترقان، فتوافرها يرتبط بشكل مباشر بزيادة معدلات النمو وما يتبعها من استقرار وتوافر لفرص العمل وارتفاع معدلات الدخل، وندرتها تقود إلى الانهيار والاضمحلال، وتعاني مصر حالياً من عجز في الطاقة يصل إلى نحو 32 طن مكافئ من البترول، ذلك العجز كان متوقعًا أن تصل إليه الدولة في مطلع العام 2020.

الحل من وجهة نظر الحكومة المصرية جاء في إدخال الفحم ضمن منظومة الطاقة، وهو الأمر الذي أثار غضب النُشطاء في مجال حماية البيئة، والذين اعتبروا ذلك القرار انتهاكاً فاضحًا لصحة الإنسان المصري وتجنيًا له أشد الخطر على البيئة المحيطة مصورين ذلك القرار بالكارثة المُهددة لدعائم حقوق الإنسان في مصر.

الحقيقة أن الأخطار المرتبطة باستخدام الفحم ضمن منظومات الطاقة لا يمكن أن يغفلها عاقل ولا رشيد، فجميع الدراسات العلمية تؤكد مدى خطورة الانبعاثات المصاحبة لعملية احتراق الفحم للحصول على طاقة، ومن الأكيد أن التقنيات المستخدمة في الدول الكبرى لم تنجح في الحد من خطورة تلك الغازات، فالفحم؛ الذي يُحرق منه أكثر من 8 مليارات طن كل عام، يتسبب في توليد كم هائل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تبلغ 39 بالمئة من إجمالي ذلك الغاز الذي يُعتبر المتسبب الأول لظاهرة الاحتباس الحراري، غير أنه يوفر في نفس الوقت ما يربو عن 40 بالمئة من كهرباء العالم، وبالتالي يصبح الفحم الحجري هو المصدر الأول والرئيسي للكهرباء في العالم.

يُصنف الفحم ضمن ''أقذر'' مصادر الطاقة، ويخلف سنويًا ألوف القتلى، ويتسبب في إصابة الملايين حول العالم بأمراض الصدر والرئتين، ويرتبط استخدامه بتزايد معدلات الإصابة بالسرطان، ورغم ذلك تُصر الدول، العُظمى منها والصغرى، على استخدامه نظرًا لكونه أرخص البدائل المتاحة على نطاق واسع لتوليد القوى الميكانيكية، ورغم صدور العديد من التشريعات التي تحض الدول الكبرى على تخفيض الانبعاثات الغازية المُسببة لظاهرة الاحترار العالمي، فنادرًا ما تلتزم تلك الدول بالاتفاقيات الدولية، فعلى سبيل المثال تستهلك الصين سنويًا ما يقرب من 4 مليار طن من الفحم لتوليد الطاقات، فيما انخفض استهلاك الولايات المتحدة الأمريكية ليصل إلى نحو مليار طن سنويًا، ليس بسبب سياستها البيئية ولكن لتوافر الغاز الصخري بكميات كبيرة لدى سواحلها الممتدة على طول المحيط، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية زيادة الطلب في السنوات المقبلة على الفحم وخاصة من جانب الدول النامية التي تبحث عن تكاليف أرخص للطاقات المُولدة حتي وأن ذهبت البيئة للجحيم.

في ظل وضع الطاقة المُعقد في مصر والمتزامن مع العثرات الاقتصادية واستمرار أزمات الوقود الحفري التقليدي ''البترول ومشتقاته''، ومع غلق عدد من خطوط الإنتاج في المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة ''الأسمنت والأسمدة''، وجدت الحكومة ضرورة الاستعانة بالفحم كبديل قد يحقق توازنًا في ميزان الطاقة المصرية، فعلاوة على سعر الفحم المنخفض، يتوافر لدى الدولة مخزونًا استراتيجيًا ضخمًا سيوفر، حال استخدامه، أكثر من 30 مليار جنيه سنويًا، علاوة على استقرار امدادات الطاقة وتنويع مصادرها، وهو الأمر الذي سيحفظ إلى حد كبير أمن الطاقة في مصر.

لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ولن تتراجع الحكومة، قطعًا، عن إدخال الفحم ضمن منظومة الطاقة، فمعركة البيئة ضد الطاقة معركة خاسرة بكل تأكيد، فقط، على المهتمين الضغط على الحكومة كي لا تستخدم الفحم داخل محطات الطاقة المتاخمة للتجمعات السكانية، مع التأكيد على ضرورة نقل المصانع التي تعتزم استخدام الفحم إلى تخوم الصحراء مع النظر إلى مستقبل الطاقات المتجددة الذي يُعد الطريق الوحيد الذي يستطيع المواطن أن يسلكه للمطالبة بحقه الإنساني في العيش في بيئة نظيفة.

أؤمن تمام الإيمان أن وعود الحكومة المصرية، الحالية أو القادمة، بتوفير عوامل الأمان أو الاشتراطات البيئية اللازمة للتقليل من الأثار الناجمة عن عمليات احتراق الفحم ستذهب أدراج الرياح، فالتقنيات اللازمة للحد من الانبعاثات الكربونية تحول ميزة الفحم الرئيسية، الثمن الزهيد، إلى عيب قاتل، فتلك التكنولوجيات والتي من ضمنها عمليات التقاط ثاني أكسيد الكربون وحجزه تحت الأرض في تكوينات صخرية مسامية، باهظة الثمن، وتحول ثمن الطاقة الناتجة من الفحم إلى ثمن يتجاوز بكثير سعر الطاقة المُولدة بالمنتجات البترولية التقليدية أو باستخدام الغاز الطبيعي، غير أن الحل، والذي سيستغرق تنفيذه عامان بحد أدني، لن يأتي سوي باستخدام ذلك الوقود القذر.

للتواصل مع الكاتب

Mohamed.a.masnour@outlook.sa

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس موقف مصراوي.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج