إعلان

كيف حطم آبي أحمد "هالة نوبل للسلام" ودفع إثيوبيا للحرب الأهلية؟

04:02 م الثلاثاء 22 يونيو 2021

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

ألقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على الاستراتيجية التي أغرق بها رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام، آبي أحمد، بلاده في حرب أهلية أدت إلى فظائع ومجاعات، في الوقت الذي يُنكر فيه ارتكاب مجازر وإبادة جماعية بحق شعبه، وتحديدًا أهالي منطقة تيجراي، ويعتبر الانتخابات العامة التي تُجرى لأول مرة في عهده بأنها "حرة ونزيهة".

وقالت الصحيفة في تقرير مُطوّل نشرته على موقعها الإلكتروني، إنه ومع اندلاع الحرب في شمال إثيوبيا، واتجاه منطقة تيجراي بشكل حثيث إلى أسوأ مجاعة منذ عقود، وصل مبعوث أمريكي كبير إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الشهر الماضي، أملًا في إقناع آبي أحمد بإخراج بلاده من دوامة مُدمرة يخشى كثيرون أنها قد تمزقها.

لكن يبدو أن آبي أحمد استغل الزيارة لصالح مآربه. فقد اصطحب ضيفه الأمريكي، مبعوث إدارة بايدن للقرن الأفريقي، جيفري دي فيلتمان، في جولة مرتجلة مدتها 4 ساعات بأديس أبابا. قاده رئيس الوزراء الإثيوبي خلالها عبر متنزهات المدينة الجديدة الذكية وساحة مركزية تم تجديدها، حتى إنه ذهب به بشكل غير متوقع إلى حفل زفاف حيث وقف الرجلان لالتقاط الصور مع العروس والعريس.

وكانت محاولة آبي استغلال الزيارة وانتزاعها من غرضها الأساسي لإبراز التقدم الاقتصادي لإثيوبيا من أجل التشويش على الانقسامات الداخلية، أحدث الدلائل على نهجه المضطرب الذي حيّر المراقبين الدوليين لدرجة أنهم باتوا يسألون أنفسهم كيف أخطأوا فهمه إلى هذا الحد.

تحطّم "هالة" آبي أحمد

منذ وقت ليس ببعيد، كان آبي، الذي يواجه أكبر اختبار انتخابي في انتخابات برلمانية طال انتظارها، بمثالة "أمل مُشرق" لإثيوبيا والقارة الأفريقية ككل. وبعد وصوله إلى سُدة الحكم في عام 2018، شرع في سلسلة من الإصلاحات الطموحة: إطلاق سراح السجناء السياسيين، والترحيب بالمنفيين من الخارج، والأكثر إثارة للإعجاب، إبرام اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا، العدو القديم لإثيوبيا، في غضون أشهر.

الأمر الذي أبهر الغرب المتلهف لقصة نجاح باهرة في أفريقيا. وفي غضون 18 شهرا، مُنح آبي، وهو ضابط مخابرات سابق، جائزة نوبل للسلام.

بيد أنه وفي غضون 9 أشهر فقط، تحطمت هالة آبي، وأصبحت الحرب الأهلية التي اندلعت في نوفمبر الفائت بمنطقة تيجراي، شمالي البلاد، مثالا على الفظائع ضد المواطنين الإثيوبيين.

واتُهمت قوات آبي بارتكاب مذابح واعتداءات جنسية وتطهير عرقي. والأسبوع الماضي، قال مسؤول كبير في الأمم المتحدة إن تيجراي تعاني من ويلات مجاعة، وهي الأسوأ في العالم منذ وفاة 250 ألف شخص في مجاعة في الصومال قبل عقد من الزمن، على حد قوله.

وفي أماكن أخرى من إثيوبيا، أودى العنف العرقي بحياة المئات وأجبر مليوني شخص على الفرار من ديارهم. وتحول نزاع حدودي دفين مع السودان إلى مواجهة عسكرية كبيرة.

محاولة إلهاء

حتى الانتخابات التي أُجريت يوم الاثنين، والتي وُصِفت ذات مرة بأنها "أول تصويت حر في البلاد" و"فرصة لطي صفحة عقود من الحكم الاستبدادي"، كشفت النقاب عن الانقسامات وأثارت مخاوف قاتمة من أن مستقبل إثيوبيا نفسه مشكوك فيه.

وقال أبادير إبراهيم، أستاذ القانون المساعد بجامعة أديس أبابا: "هذه الانتخابات محاولة إلهاء.. فالدولة على حافة الهاوية، وليس من الواضح ما إذا كان يمكنها التراجع. نحتاج فقط إلى تجاوز هذه الانتخابات حتى نتمكن من التركيز على تجنب وقوع كارثة".

وقالت الصحيفة إنها حاولت الحصول على تعليق وطلب مقابلة من مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي وطلب مقابلة، لكنه لم يرد.

ويُتوقع على نطاق واسع أن يفوز حزب "الازدهار"- حزب آبي الذي تشكل في عام 2019 من بقايا ائتلاف حاكم سابق- في الانتخابات بسهولة. لكن التصويت لم يشمل سوى 102 من أصل 547 دائرة انتخابية في إثيوبيا بسبب الحرب والاضطرابات المدنية والفشل اللوجستي.

وقاطع كبار زعماء المعارضة في السجن وأحزابهم التصويت في أوروميا، وهي منطقة مترامية الأطراف يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة وأكثر سكانا من كينيا.

ضغط أمريكي

رأت "نيويورك تايمز" أن آبي أحمد حاول التقليل من أهمية المشاكل التي تمر بها بلاده، فوصف نزاع تيجراي مرارا بأنه "عملية قانون ونظام" ودفع برؤيته لإثيوبيا حديثة ونابضة بالحياة اقتصاديا. لكن أمريكا، التي قدمت لإثيوبيا مليار دولار كمساعدات العام الماضي، تضغط عليه لتحويل التركيز على الفور.

بعد أن اصطحبه آبي، سائقًا، في جولة حول أديس أبابا في مايو، كتب المبعوث الأمريكي فيلتمان تحليلا مفصلا لرحلته للرئيس جو بايدن والقادة الآخرين في واشنطن، حتى إنه أشار إلى حركة مفاجئة من السيارة تسببت في انسكاب بعض القهوة على قميص المبعوث.

بعد أسابيع، فرض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حظرا على التأشيرات على مسؤولين إثيوبيين لم يكشف عن أسمائهم.

وأعرب أجانب آخرون عن قلقهم أيضًا من حدوث تطهير عرقي في إثيوبيا. وأخبر بيكا هافيستو، مبعوث الاتحاد الأوروبي الذي زار البلد في فبراير، البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي بأن القادة الإثيوبيين أخبروه "أنهم سوف يدمرون شعب تيجراي، ويبيدونهم لمئة عام".

في المقابل، رفضت وزارة الخارجية الإثيوبية تصريحات هافيستو، ووصفتها بأنها "سخيفة" و"هلوسة من نوع ما".

إدانة عالمية

واعتبرت الصحيفة أن الإدانة العالمية لآبي (44 عامًا) مؤخرًا في قمة مجموعة السبع الأسبوع الماضي، تمثل "تراجعًا مذهلًا" لزعيم شاب كان يُحتفى به حتى وقت قريب به عالميًا.

كانت دوامة الإصلاحات التي بدأها بعد تعيينه رئيسًا للوزراء في أبريل عام 2018 بمثابة توبيخ حاد لجبهة تحرير شعب تيجراي ، وهي حزب من المتمردين الذين تحولوا إلى حكام سيطروا على إثيوبيا منذ عام 1991 في نظام استبدادي حقق نموا اقتصاديا مثيرا للإعجاب على حساب لحقوق المدنية الأساسية.

وعد آبي بسياسة جديدة، سمح بموجبها لأحزاب المعارضة التي كانت محظورة في السابق، وعيّن النساء في نصف المناصب في حكومته، وحقق السلام مع إريتريا، وهو ما دفع إلى منحه نوبل للسلام.

العودة لقواعد اللعبة القديمة

لكنه سرُعان ما أطلق العنان للإحباطات المكبوتة بين الجماعات العرقية التي تم تهميشها من السلطة لعقود، وعلى الأخص المجموعة التي ينتمي إليها، الأورومو، التي تمثل ثلث سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة.

عندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية، عاد إلى قواعد اللعبة القديمة: الاعتقالات والقمع ووحشية الشرطة.

في الوقت ذاته، تصاعدت التوترات مع جبهة تحرير شعب تيجراي، التي استاءت من إصلاحات آبي التي يتبجح بها.

بحلول أوائل نوفمبر الماضي، وصلت أنباء إلى واشنطن مفادها بأن الحرب تلوح في الأفق في تيجراي. واتصل السيناتور كريس كونز، الذي لديه اهتمام طويل بأفريقيا، بآبي ليحذره من مخاطر اللجوء إلى القوة العسكرية.

قال كونز، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير، إنه ذكّر الزعيم الإثيوبي بأن الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الأولى بدأت بوعود بتحقيق نصر عسكري سريع، واستمرت لسنوات وكلفت ملايين الأرواح.

وقال كونز إن آبي لم يرتدع: "كان واثقا من أن الأمر سينتهي في غضون 6 أسابيع". وبعد أيام، وتحديدًا عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اندلع القتال في تيجراي، بحسب نيويورك تايمز.

صعود "مُقدّر"

أجرى آبي مقابلات إعلامية قليلة، لكن الأشخاص الذين تعاملوا معه يصفونه بأنه "رجل واثق في نفسه"، مُفعم بـ"إيمان مسيحي" يبدو جليًا في اعتقاده الذي يُعرب عنه مرارًا بأن صعوده إلى السلطة كان مُقدرًا مُسبقًا".

وقال آبي للنيويورك تايمز في عام 2018، إنه عندما كان في السابعة من عمره همست والدته في أذنه بأنه "فريد" وتوقعت أنه "سينتهي به المطاف في القصر".

وقال مستشار سابق تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن ثمة "إيمان مسيحي" يوجّه آبي أيضا.

وأضاف أن رئيس الوزراء الإثيوبي مسيحي خمسيني [يتبع الكنيسية الخمسينية]، وهي طائفة ازداد أتباعها في إثيوبيا، وهو من أشد المؤمنين بـ"إنجيل الرخاء" - وهو لاهوت ينظر إلى النجاح المادي باعتباره مكافأة من الله، مُشيرًا إلى أنه ليس من قبيل المصادفة أن يسمى الحزب الذي أسسه آبي عام 2019 حزب "الازدهار".

وجذبت العقيدة الإنجيلية لآبي مؤيدين مؤثرين في واشنطن، بما في ذلك السيناتور جيمس إنهوف، وهو جمهوري من أوكلاهوما، الذي أخبر مجلس الشيوخ في عام 2018 أنه التقى بآبي لأول مرة في اجتماع للصلاة حيث "حكى قصة رحلته والإيمان بيسوع".

في الشهر الماضي، سافر إنهوف إلى إثيوبيا لإظهار دعمه لآبي ضد العقوبات الأمريكية، علاقة أخرى مهمة لآبي مع الزعيم الديكتاتوري لإريتريا، أسياس أفورقي، واتهمت الأمم المتحدة وجماعات حقوقية القوات الإريترية التي تدفقت على تيجراي لدعم حملة آبي بأسوأ الفظائع في الصراع. الآن هم عامل رئيسي في المجاعة في المنطقة.

"سلاح" إريتريا في تيجراي

قال مارك لوكوك، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي إن الجنود الإريتريين "يستخدمون الجوع كسلاح حرب" ويعرقلون شحنات المساعدات المتجهة إلى الأجزاء الأكثر ضعفا في تيجراي.

لفتت الصحيفة إلى أن القضية الإريترية هي أكبر مسؤولية دولية تقع على عاتق آبي. ويرى بعض المحللين أنه تم التلاعب به من قبل أسياس، وهو مقاتل مخضرم معروف بمناوراته الاستراتيجية الصعبة. وبحسب روايات أخرى، فإنه لم يكن أمام آبي خيار كبير - إذا غادر الأريتريون فجأة، فقد يفقد السيطرة على تيجراي تماما.

ومن المرجح أن تسلط الانتخابات الضوء على التحديات المتزايدة في بقية إثيوبيا. وقال لوكوك إنه في الشهر الماضي وحده، أجبر 400 ألف شخص على ترك منازلهم في منطقتي أمهرة وعفر. وسيطر الجيش على عدة أجزاء من أوروميا، حيث اندلع تمرد مسلح.

وحذر كونز، الذي أرسله بايدن للتحدث مع آبي في فبراير، الزعيم الإثيوبي من أن انفجار الكراهية العرقية يمكن أن يمزق البلاد، مثلما فعلت يوغوسلافيا السابقة خلال التسعينيات، ورد عليه آبي بأن إثيوبيا "أمة عظيمة لها تاريخ عظيم"، بحسب كونز.

فيديو قد يعجبك: