إعلان

رئيس غامض وقلق من "النهضة".. مستقبل تونس إلى أين؟

07:02 م الإثنين 11 نوفمبر 2019

الرئيس التونسي قيس سعيد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – محمد عطايا – محمد صفوت:

بوفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وانتخاب قيس سعيد لخلافته، أصبح الترقب والغموض هو ما يشغل بال الرأي العام التونسي والعالمي، فلا يزال الجدال دائرًا حول ما قد تسفر عنه الأيام اللاحقة، بحكومة يمكن أن تقود البلاد صوب نهضة حقيقية، أو مجرد استمرار لنهج سابقتها.

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، أعلنت أن حزب النهضة، ذا التوجه الإسلامي، والذي يعد امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين، فاز بالانتخابات التشريعية، التي جرت في السادس من أكتوبر الماضي.

وينص الدستور التونسي على أن يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب الفائز بأغلبية الانتخابات التشريعية لتشكيل الحكومة الجديدة، في مدة زمنية لا تتجاوز الشھرین، ومن ثم فإن رئيس الوزراء القادم سيكون إخوانيًا، ينتمي لحزب النهضة الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية.

ليس بالضرورة أن يفوز مرشح حزب النهضة برئاسة الحكومة التونسية الجديدة، حيث أنه لا بد من أن يصادق البرلمان عليه بأغلبية 109 أصوات.

وفي حال فشل الحزب في هذه المهمة، خلال تلك الفترة، فإن سعيد سيكون عليه حينها تكليف شخصية سياسية أخرى يختارها هو لتشكيل الحكومة.

حزب النهضة حصل على 52 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 مقعدًا، بينما حصل حزب قلب تونس على 38 مقعدًا، تلاه حزب التيار الديمقراطي بحصوله على 22 مقعدًا، ثم حزب ائتلاف الكرامة، الذي حصد 21 مقعدًا، كما حصل الحزب الدستوري الحر على 17 مقعدًا.

كيف يعيش التونسيون؟

بعد ثورة أطاحت بالرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، تطلع الشعب إلى حياة مختلفة، مزدهرة –ربما- من النواحي السياسية والديمقراطية، والاجتماعية، والاقتصادية.

تسير تونس جيدًا في ملف الحريات، حيث تبوأت العام الماضي، للمرة الثالثة على التوالي المركز الأول عربيًا في مؤشر الحريات، بحسب التقرير السنوي لمنظمة فريدوم هاوس الأميركية، ما جعلها ضمن الدول الحرة شأنها شأن كبريات الديمقراطيات في العالم.

وبرغم اتساع رقعة الحريات قليلًا في تونس، إلا أن الصراعات السياسية لم تهدأ منذ الإطاحة ببن علي، ما جعل الشعب ينتخب في النهاية وجه لا خلفية سياسية له.

من الناحية الاقتصادية، لم تحقق تونس كثيرًا، فبحسب تقارير حكومية، يوجد أكثر634.9 ألف عاطل عن العمل، خذلهم تراجع النمو الاقتصادي وتعطل الاستثمارات.

وبلغ نمو الاقتصاد التونسي في الثلث الأول من العام الجاري 1.1 بالمئة، وهي نسبة مخيبة لآمال الشعب.

وأوضح الهادي بن براهم، النائب السابق لرئيس لجنة المالية بالبرلمان التونسي، أن ميزان التجاري التونسي به عجز كبير، وقد يؤثر على نسبة النمو.

وتراجع الاستثمار في تونس لأكثر من 12 بالمئة خلال العام الجاري، وذلك وفقًا لتقارير حكومية صدرت منذ فترة.

فيما يواصل عجز الموازنة التونسية ارتفاعه خلال النصف الأول من العام الجاري، كشف المعهد التونسي للإحصاء عن تفاقم العجز التجاري مع نهاية شهر يوليو الماضي ليتجاوز حدود 11 مليار دينار تونسي (نحو 3.7 مليار دولار)، مسجلاً بذلك زيادة لا تقل عن 11 في المائة، مقارنة مع السبعة أشهر الأولى من السنة الماضية.

ومن جهة أخرى، ارتفع عجز الميزانية في تونس خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي بقيمة 690 مليون دينار (244 مليون دولار)، ليبلغ 2.445 مليار دينار بعد أن كان في حدود 1.755 مليار دينار خلال نفس الفترة من عام 2018.

هل رئيس الوزراء القادم إخوانيًا؟

بعد انتخاب الرئيس الجديد، يضع التونسيون آمالًا في حكومة تحقق –ربما- نهضة اقتصادية، ينتشل الشعب من الفقر المدقع.

الحكومة المقبلة، يفترض أن تشكل من حزب النهضة، إلا أن الاتجاه العام داخل الحزب نفسه هو اختيار رئيس حكومة من خارجه، في حال نجحت الاتصالات الجارية بين الحزب وباقي الأحزاب في البرلمان، وذلك وفقًا للمحلل السياسي التونسي والمقرب من حزب النهضة، منار سكندراني.

وكشف سكندراني، في تصريحات لـ"مصراوي"، عن اتفاق الأحزاب التونسية على علوية الأحكام الدستورية في تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة.

وأضاف: "أنا الحكومة أو البرلمان، هو شعار حزب النهضة في مباحثات ومفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة"، موضحًا أن النهضة التونسي أبلغ الأحزاب خلال المفاوضات بتنازله عن منصب رئيس الحكومة مقابل السماح له برئاسة البرلمان لتسهيل تشكيل الحكومة في أسرع وقت.

لم تتضح الرؤية بعد –بحسب المحلل السياسي التونسي، بلحسن اليحياوي- حول من يسيطر على الحكومة التونسية المقبلة، لأنه حتى اللحظة لا يعلم أحدًا من سيترأسها، لافتًا إلى أنه تحت وطأة الرفض الشعبي للتيار الديمقراطي، ستجد النهضة نفسها مضطرة للتحالف مع قلب تونس، ثاني أكثر حزب حصدًا للمقاعد في الانتخابات البرلمانية.

وأكد في تصريحات لـ"مصراوي"، أنه إذا ما قرر النهضة التحالف مع قلب تونس، وتشكيل الحكومة، فإن ذلك سيعد استمرارًا لنفس النهج العام للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، نظرًا لأنه سيعاد تحالف بين النظام القديم المسمى "نداء تونس" والذي ضم "النهضة"، ونفس المنظومة المسماه قلب تونس، على اعتبار أن جزء كبير من الأول موجود في الثاني.

فقدان الثقة

المواطن التونسي فقد ثقته في الأحزاب السياسية، والنخب الحاكمة، وهذا الأمر عبر عنه في الانتخابات الرئاسية السابقة، منتخبًا من ليس له ظهير سياسي (قيس سعيد)، مكتفيًا بتعهدات بالوقوف على مسافة واحدة من الأحزاب السياسية كافة، وذلك وفقًا لمعز الباي، المحلل السياسي التونسي.

ولم يرتفع سقف توقعات المحلل التونسي اليحياوي كثيرًا، بشأن تشكيل حكومة تختلف عن سابقتها، مؤكدًا أن الأزمة السياسية لا تزال متواصلة في بلاده.

وأضاف أن 5 سنوات من الصراع السياسي لا يزال متواصلًا، بل سيرتفع وتيرته أكثر خلال السنوات المقبلة، ولا يمكن التنبؤ بقفزة اقتصادية وتعافي للاقتصاد.

النخبة الحزبية في تونس تتسم "بضيق أفق"، وفقًا لليحياوي، الذي أكد أن دوائر صنع القرار في البلاد تؤخر عملية الإصلاح، وأن الاقتصاد التونسي لا يزال متدهورًا وقد يصل إلى نتيجة أسوأ لما هو عليه الآن.

كيف ينعكس ذلك على تونس؟

يرى الباي، أن تونس سبقت وأن جربت أشكال حكومية كثيرة من التكنوقراط أو المدعومة بأحزاب سياسية كبرى، وحكومة المحاصصة الحزبية وفقًا لعدد المقاعد البرلمانية لكل حزب، لكنها جميعًا أثبتت فشلها في الخروج بتونس من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.

وتابع: "أن أغلب تلك الحكومات شهدت استقالات عقب شهور قليلة من تشكيلها وشهدت صراعات داخلية، وعليه فإن المشهد الحالي تسوده الضبابية".

وحتى اللحظة لم تظهر تونس أي بوادر للاعتماد على الدعم الخارجي لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.

وعلى غرار بعض الدول التي مرت بثورات وتغير في النظام الحاكم، لم تتحرك دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي لدعم تونس مثلما فعلت في مناطق أخرى مثل السودان.

يبدو أن الاتجاه الحالي لتونس في ظل غموض نوايا سعيد في اتجاهاته الخارجية، واختيار أي تحالف، سيجعل البلاد مجبرة على الاعتماد على كوادرها الحالية.

وأكد اليحياوي، أن سعيد لم يكشف بعد عن نواياه واتجاهاته، برغم أن أبرز ما يظهره حاليًا هو عدم التحيز لصف عن الأخر، خاصة في القضايا العربية الشائكة.

وأوضح أن الاعتماد على الحكومة المقبلة لعمل إصلاحات اقتصادية، لا يبشر بأي خير، نظرًا لأن التكتلات الحزبية الحالية، تعتمد أساسًا على أصحاب المال في تونس، وبالتالي هناك مصالح متفاوتة.

واستطرد أن الكوادر المؤهلة تغيب بشكل كامل عن الصورة في البلاد، ولا توجد شخصية عبقرية يمكنها انتشال الشعب من حالة الفقر المدقع، بل ما يتداول هو إنشاء برنامج "لمحاربة الفساد"، وهو ما يعد سخرية من التونسيين أجمعهم، لأنه لا يمكن بناء مشروع حكم على مفهوم مطاطي.

شخصية الرئيس

غياب الكوادر المؤهلة نتيجة سيطرة أحزاب بعينها على الأوضاع السياسية في تونس، قد يؤدي إلى أن يستمر تدهور شتى مجالات الحياة في البلاد.

ورغم "الديمقراطية الظاهرية" على حد وصف المحلل السياسي التونسي اليحياوي، وانتخاب رئيس جديد التف حوله عدد كبير من الشعب هناك، إلا أن ذلك لا يعني أن الأوضاع ستتغير من ناحية انتخاب أو تعيين الأفضل.

ويبدو أن الرئيس الجديد الذي يعلق عليه التونسيون آمالهم، لن يتمكن من التحرك بشكل قوي وفعال للتأثير في الوضع داخل البلاد، فشخصية قيس سعيد، بحسب اليحياوي، "متواضعة"، ورغم أنه رجل أكاديمي، إلا أنه لا يملك الإمكانيات الكافية لاختيار الكوادر.

كما أن الدستور أيضًا، لا يعطي الرئيس الصلاحيات الكبرى لاختيار الكوادر، فهو منصب أشبه أن يكون شرفيًا، عدا بعض الصلاحيات الخاصة بالخارجية والدفاع، وغير ذلك يتحكم به البرلمان والحكومة.

خريطة التحالفات

لا يسعى قيس سعيد إلى الانخراط في تحالفات عربية أو أوروبية، رغم أنه قد يكون مجبرًا في المستقبل على الاختيار.

وأوضح اليحياوي، أنه لا يوجد موقف واضح من تونس تجاه ما يحدث في الدول العربية، وهي تأخذ مسار متواز من الجميع، خاصة ليبيا والجزائر.

ويرى أستاذ العلوم السياسية المصري، طارق فهمي، أن الرئيس الجديد لا يتبنى أي مواقف عدائية تجاه الدول بل يسعى لبناء علاقات جديدة مع جيران تونس، وتوطيد العلاقات الحالية، مستشهدًا بمقولته أثناء أحد خطاباته "اسعى لبناء علاقات متينة مع جميع الشعوب والأمم".

وعن علاقاته بالدول العربية، أكد فهمي، أن قيس يعتز بعروبته الذي أعلن زيارة الجزائر كأولى محطاته في منصبه الجديد، كما تمنى زيارة ليبيا إن أتيح له هذا.

وقال فهمي إن العلاقات المصرية التونسية جيدة على الأصعدة كافة، وتربط بين البلدين عدة ملفات إقليمية على رأسها الأزمة الليبية، موضحًا أن الرئيس التونسي سيسعى لزيادة العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة بعد تهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسي له عقب إعلان فوزه بالرئاسة التونسية.

وفيما يتعلق بالصراع في الخليج العربي، أكد بلحسن اليحياوي، أن تونس تتخذ مسافة من الجميع، سواء من السعودية والإمارات وقطر وتركيا، لافتًا إلى ان هناك حفاظ على العلاقة مع جميع الأطراف.

وأكد أن تونس قد تشهد قريبًا إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

ولفت إلى أنه ليس هناك أي مؤشر يؤكد أن تونس ستتجه لتغيير شراكتها التدريجية، مع الولايات المتحدة أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا.

لا يعلم أحد مضمون شخصية رئيس الجمهورية في قراراته ومواقفه مع الدول الخارجية، ولكن مع تشكيل الحكومة سيتم استشفاف مضمون سياسة قيس سعيد.

فيما أكد فهمي، أن وجود حركة النهضة المحسوبة على جماعة الإخوان وجناحها السري، ربما يشكلان بعض المخاوف للرئيس التونسي الذي أكد رفضه لوجود أجهزة تعمل خارج إطار الدولة، ما يعني احتمالية الدخول في صدام مع حركة النهضة التونسية.

وأشار اليحياوي، إلى أن انحياز تونس للإمارات والسعودية صعب، نظرًا لوجود الإخوان في مناصب عليا، مؤكدًا أيضًا أن ذلك لا يعني أن تذهب تونس مباشرة إلى الحضن القطري التركي، لأن هناك رفض كبير على الارتماء للمحور الإخواني بصورة عامة.

فيديو قد يعجبك: