إعلان

جائزة د. شريف حتاتة والإسكندرية للفيلم القصير

د. أمــل الجمل

جائزة د. شريف حتاتة والإسكندرية للفيلم القصير

د. أمل الجمل
07:55 م الجمعة 24 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. أمــل الجمل

لابد أن أعترف أن القلق الشديد أصابني على مدار أيام قبيل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته التاسعة الممتدة من ١٦ - ٢١ فبراير الجاري، وحتى طوال أيام انعقاد هذه الدورة خصوصاً أنني لم أحضره بسبب ارتباطي بعمل في القاهرة.

كان القلق يساورني خوفا من أن أكون قد ورطت اسم د. شريف حتاتة في أن يرتبط بجائزة قد لا تليق باسمه وتاريخه الإبداعي والنضالي الطويل. فهذا العام يوافق ذكرى مئوية مولده والذي يتزامن مع ٢٣ سبتمير القادم، لكن تعارف الأمر على أن يكون العام بأكمله امتداد للاحتفال بهذه الذكرى الجميلة. وبهذه الذكرى كنت اتخذت قراراً بمنح جائزة مادية باسمه - بقيمة عشرة آلاف جنيه - لأفضل فيلم سينمائى مصري.

اخترت مهرجان الاسكندرية للفيلم القصير لعدة أسباب منها ما هو شخصي، إضافة إلي ترشيح أحد الأصدقاء الذين أثق في رأيهم المخلص الأمين. للدقة كان هذا المهرجان أحد اثنين هما الأبرز والأنسب للجائزة.

أما عن أسبابي الشخصية للاختيار، فلأن مدينة الإسكندرية كانت تُمثل أشياءً كثيرة للدكتور شريف حتاتة، وكان لها نصيباً غير قليل أبداً في رواياته - خصوصاً روايته «نبض الأشياء الضائعة»، وسيرته الذاتية المتفردة «النوافذ المفتوحة» بأجزائها الثلاث، كما كان لي معه فيها ذكريات كثيرة. مثلما، تُعد الإسكندرية بتاريخها العريق واحدة من أحب المدن إلي قلبي، رغم ما أصابها من تدهور، فصارت في السنوات كأنها مدينة آيلة للسقوط، وهو أمر محزن جدا أن تتحول هذه المدينة الساحرة - التي جابت شهرتها الآفاق - كمدينة كزموبولتينية متسامحة - والتي كتب عنها أشهر المبدعين في العالم مثل البريطاني لورانس داريل «رباعية الإسكندرية»، وقسطنطين كفافيس الشاعر اليوناني المولود بالمدنية التي أسسها الاسكندر الأكبر، والتي أنجبت مجموعة من أشهر المبدعين المصرية مثل سيد درويش، المعماري حسن فتحي، والنجوم؛ عمر الشريف، محمود عبد العزيز، هند رستم، والمخرج يوسف شاهين، والكاتب توفيق الحكيم، والمطرب المصري الأصيل حمزة نمرة.

اضطرتني ظروف عملي أن أسافر وأعود بنفس ليلة الختام لتسليم الجائزة، لم يتوارى التوتر إلا عندما شاهدت الحشود مساءاً أمام باب قاعة الأوبرا بمسرح سيد درويش، وأحاديث زملائي والشباب من حولي عن القاعات مكتملة العدد، ثم جاءت كلمة خالد عبد الجليل لتؤكد هذه الحالة.

IMG-20230224-WA0002

الحقيقة، أنها المرة الأولى التي أشاهد فيها د. عبد الجليل يتحدث بهذا الحماس، من قلبه، بإيمان عميق، مشيداً بدور فريق العمل وراء هذا المهرجان، مؤكداً على كلماته بذكر نماذج من دعم فنانين ومبدعين كبار لجهود هؤلاء الشباب موني محمود، ومحمد محمود، وسعدون، وباقي الفريق، ثم اختتم كلمته بمباركته لهذا النجاح المشهود، مؤكداً على أن المهرجان يستطيع الآن أن ينضم إلي المهرجانات الكبيرة العريقة في مصر.

نموذج يُحتذى به

رغم إعجابي الشديد بكلمة د. خالد، لكني أختلف معه في الجملة الأخيرة، لأنه في تقديري الشخصي أن هذا المهرجان هو قدوة ونموذج تتعلم منه المهرجانات المصرية الآخري.. وتحديداً أخص نجاحه في جذب الجمهور منذ قيامه بالدعاية على عربة كارو إلي أن تطور الأمر وصارت الدعاية تشمل الكورنيش بأكمله، ثم حرصه على القيام بالترجمة ليجذب جميع طوائف الجمهور، لذلك قام بتأسيس وتكوين فريق من المترجمين للتغلب على إشكالية عدم توفر ميزانية للترجمة.

لاشك أن إدارة مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير تُفكر خارج الصندوق، إذ اعتمدت على مترجمين متطوعين، وكونوا فريق يُمكن تصديره للمهرجانات الأخرى فيستتفيدون منه. والحقيقة أنني سعيدة بأسلوبهم في الإدارة والتنظيم، فهذين الأمرين - أقصد الجمهور والترجمة - طالما كانا شاغلي في أغلب المقالات التي كتبها عن المهرجانات المصرية، فمن خلال حضوري للمهرجانات الدولية الكبري العريقة - فينيسيا، كان، برلين، كارلوفي فاري، وموسكو، وكليرومون فيران - وجدتهم جميعاً يقومون بترجمة الأفلام إلي اللغة الأم، ونحن كمصريين إذا لم نحترم لغتنا الأم لن يحترمها الأجنبي، كما أن تنظيم مهرجان يعني أنك تنظمه لكي يحضره الجمهور، ولكي تُثبت نجاحك لابد أن يحضره الجمهور بالفعل، وإلا فلماذا تنفق كل هذه الأموال؟ هل تنفقها لكي تقول أنك نظمت مهرجاناً ودعوت أجانب؟ لا أنكر أهمية وجود أجانب، لكنه ليس كل شيء. لذا، هنا نتساءل ما الذي استفاده جمهورك المحلي وبلدك من هذا المهرجان؟ هذا هو الاختبار الحقيقي الذي نجح فيه مهرجان الأسكندرية للفيلم القصير، بالطبع إضافة لكثير من الأنشطة السينمائية المتميزة، يمكن الحديث عنها لاحقاً.

IMG-20230224-WA0003

خطورة الأدب والسينما

عقب تسليمي الجائزة للفائز ألقيت كلمة عن أهمية الفنون والسينما فقلت فيها: عندي حكاية عن اثنين تعرفت عليهما من الناس الكادحة البسيطة. محمد حسين كان يعمل في شركة بالصعيد ومقيم في غرفة تابعة للشركة، في إحدى الليالي جاءه زميل جديد وغريب اسمه «علي» حتى يشاركه غرفته. كان كل واحد منهم لا يعرف الآخر، ومتوجس منه خيفة وتدور بداخله كثير من الخواطر. المهم، عندما دخل "علي" سلموا على بعض بحيادية مفتعلة، أو ربما بريبة. أشار له محمد حسين على سريره ودولابه، ثم تظاهر بأنه مشغول في أشياء آخرى. بعد قليل سقطت عين «علي» على كتاب فوق المنضدة، فالتفت فجأة لـ محمد حسين كأنه لا يصدق وسأله: «هو إنت بتقرأ لـشريف حتاتة»؟

فأجابه محمد: أيوه ليه.. دا أنا قرأت له كل كتبه؟

ضحك علي وقال: «والله دا أنت طلعت إنسان كويس.. أنا كمان بأقرأ له وبأحب كتاباته.»

من هذه اللحظة في ذلك المساء وحتى صباح اليوم التالي ظل الاثنين يحكيان سوياً ويتحدثان - كأنهما صديقان من عمر طويل - في الأدب والسياسة وحتى عن أدق خصوصيات حياتهم.

هذا المثل يحكي عن خطورة الأدب، عن قدرته في إزالة المخاوف وكسر الحواجز المنصوبة بين الناس، وقدرته في مد جسور الود والتفاهم والتواصل، وفي نسج خيوط الوعي والتضامن والدفء الإنساني.

السينما هى أيضاً تلعب هذا الدور الخطير. الدليل أننا ندخل قاعات السينما مع عشرات البشر الذين لا نعرفهم بدون أن نخاف، رغم الظلام الذي لا يكسره إلا نور الشاشة وجمال الفيلم.

السينما والأدب والفنون أيضاً هى التي كسرت حاجز اسمه السن بيني وبين دكتور شريف حتاتة، السينما هدمت حاجز اسمه خمسين سنة فرق في أعمارنا هو وأنا. أتمنى أن تتمسكوا بالسينما والثقافة والفنون لأنهم الحصن الحصين.

أنا مدينة للسينما، وللدكتور شريف حتاتة بكل الأشياء الحلوة في حياتي، لذلك اخترت رد الجميل لهما بهذه الجائزة الرمزية، التي أتمنى أن تكون داعمة لهذا المهرجان المحترم، وأن تُشجع المخرجين كي يتقدموا له للاشتراك في مسابقاته، أتمنى أن تكون الجائزة حافزاً للمخرجين أن يهتموا بالفيلم القصير أكثر وبتنمية ثقافتهم لتصبح أعمق، ويمنحو صناعة هذا النوع الفيلمي جهدا مضاعفاً، ويعتبرونه نوعاً إبداعياً لا يقل أبداً عن الطويل، بل يُعادله وينافسه بقوة لا يستهان بها.

إعلان