إعلان

 ما بين الصحة والأمن

د. غادة موسى

ما بين الصحة والأمن

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:40 م الجمعة 21 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تظهر معضلة الصحة والأمن عادة في دول العالم النامي، وبصفة خاصة في المناطق والدول التي تشهد توترات أو نزاعات داخلية، وتتنازع اعتبارات الصحة والأمن على سلم أولويات وضع السياسات في تلك الدول؛ إذ يستمر إدراك وجود انفصال بين الموضوعين.

كما يتنازع الموضوعان عند وضع الموازنات وتخصيص الموارد، فعادة ما تولي الدول النامية اهتمامًا للقضايا الأمنية على حساب قضايا الصحة.

وقد اتضح هذا التنازع وتعمق في ظل جائحة كورونا، فالعديد من الدول النامية تأخرت استجابتها لتداعيات الجائحة لفائدة إدارة الملفات الأمنية على اتساعها.

على الجانب الآخر، تسببت الجائحة في توسيع التهديدات الأمنية، بتقاطع نقص الخدمات والرعاية الصحية مع اعتبارات إثنية وعرقية في بعض الدول الأفريقية والآسيوية، وبعض دول منطقة الشرق الأوسط، كما لم تكن بعض الدول المتقدمة ببعيدة عن معضلة المفاضلة بين الصحة والأمن، في بعض أقاليمها، مثلما حدث مع حركة "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كشفت تداعيات الجائحة عن ضرورة إدارة العلاقة بين موضوعي الأمن والصحة من منظور جديد، وهو أن موضوعات الأوبئة قضايا أمنية بالدرجة الأولى، وأن هذا المدخل كفيل بأن يجعلها تحتل أولوية كبرى على سلم اهتمام واضعي السياسات في دول العالم النامي، إذ اضطرت العديد من هذه الدول إلى تخصيص حزم مالية تحفيزية لمواجهة الجائحة في شكل توفير الأدوية والأمصال وتحسين الخدمات في مراكز الصحة للحد من الاحتجاجات الاجتماعية التي يمكن أن تنشب بسبب عدم قدرتها على السيطرة على انتشار الجائحة والإصابات.

وإذا كان ما سبق يمثل نموذجا كأحد المداخل العلاجية، فقد كانت هناك مداخل أخرى اعتمدتها بعض الدول الأسيوية من خلال تكثيف الإجراءات الأمنية والإنفاق على الخدمات الأمنية التقنية للسيطرة على انتشار الجائحة وتعقب المخالفين لإجراءات التباعد.

في كل الأحوال، يطرح النموذجان وجود هذه المعضلة، ونظرا للتداعيات الاقتصادية للجائحة أصبحت مسألة الاختيار والمفاضلة بين الموضوعين أكثر إلحاحًا عن ذي قبل بسبب ما تمت الإشارة إليه سالفًا من وجود تهديدات وتحديات أمنية ممتدة.

وتعد مصر من الدول التي تمكنت من تجاوز هذه المعضلة من خلال التعامل المبكر مع متطلبات مواجهة تداعيات الجائحة باعتبارها قضية أمنية، فلم يحل وجود تحديات أمنية متمثلة في مواجهة الإرهاب بشكل رئيسي من نقل موضوع الصحة إلى أعلى قائمة السياسات العامة عبر اتخاذ إجراءات مبكرة للحد من أزمات التشغيل وتعطل الإنتاج وتوفير الخدمات الصحية فيها، وإذا استمرت سياسات دعم هذا التوازن للتعامل مع معضلتي الصحة والأمن، فستصبح مصر إحدى قصص النجاح الدولية في العالم النامي في هذا المجال.

إعلان