إعلان

حرب من نوع آخر!

سليمان جودة

حرب من نوع آخر!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 04 أبريل 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ليس من الواضح أن كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في القمة الأوروبية التي انعقدت 26 مارس، قد نال حقه من الاهتمام على مستوى العالم.

قال ماكرون إن الصين وروسيا تستخدمان لقاح فيروس كورونا كأداة لتحقيق النفوذ السياسي في أنحاء الأرض، وأنهما توظفان اللقاح لشن حرب عالمية من نوع آخر، والقصد من وراء كلامه أنها حرب لا سلاح فيها ولا ذخيرة، ومع ذلك فهي تظل حرباً في النهاية من حيث ما تحققه على الخريطة من تكتلات جديدة، ومن حيث ما ينتج عنها من مناطق نفوذ وليدة في شتى الاتجاهات.

وكان من الطبيعي أن ترد موسكو وبكين بالنفي، وأن تقول كل عاصمة منهما أن ما يقوله الرئيس الفرنسي غير صحيح وبغير أساس.

والنفي في أحوال كثيرة يؤكد ما يجري نفيه أكثر مما يقول إنه لم يحدث، هذا ما يعرفه الإعلام عموماً بالتجربة مرة بعد مرة.

ولكن كلام ماكرون يبقى في حاجة إلى درجة من التأمل فيما يحدث من جانب الصين وروسيا على مستوى استخدام لقاح كورونا، وعلى مستوى توزيع هدايا منه في أكثر من عاصمة، وعلى مستوى حتى التعاقد لبيع كميات منه إلى أكثر من دولة.

لقد تابعنا مراراً كيف أن الصين على وجه التحديد ترسل هداياها من اللقاح إلى أكثر من حكومة، وبكميات كبيرة، وكيف أنها تتفق مع الحكومات نفسها على تصنيع اللقاح الصيني على أرضها، وكيف أنها تقدم التسهيلات في سبيل هذا التصنيع، وكذلك تفعل الحكومة الروسية في موسكو مع حكومات كثيرة، وإن كانت الحركة الروسية في هذا الاتجاه أقل من الحركة الصينية النشطة بشكل لا تخطئه العين يوماً بعد يوم، منذ أن بدأ استخدام اللقاحات في مواجهة الوباء.

عندما نلاحظ ذلك ونتابعه، فلا بد من التساؤل عن حقيقة الأهداف التي تمارس الحكومتان هذه اللعبة من أجلها، لأن المؤكد أنهما لم تفتتحا جمعيات خيرية في بلديهما لتوزيع اللقاحات، لم يحدث هذا طبعاً ولن يحدث، لأن الدول لا تفتتح جمعيات من هذا النوع في علاقاتها مع بعضها البعض.

إن كل جرعة خرجت من موسكو أو من بكين يظل وراءها هدف سياسي بدرجة من الدرجات، وكل شحنة جرى إرسالها من العاصمتين إلى عاصمة ثالثة هي شحنة ترتدي ثوب الصداقة بين الشعوب بعضها البعض، ولكنها في حقيقتها ممارسة سياسية من نوع تعرفه الدول وتفهمه.

وعندما يتم ذلك من جانب موسكو وبكين بالذات دون باقي العواصم، وعندما يكون بينهما وبين واشنطن ما نراه ونتابعه من صراع على مناطق النفوذ في العالم وعلى أشياء أخرى، فلا بد أن يكون حديث الرئيس الفرنسي حديثاً في محله وفي مكانه.

والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو زاهدة في ممارسة ما تمارسه العاصمتان الكبيرتان، رغم ما تملكه واشنطن من إمكانيات تفوق ما تملكه بكين وما تملكه موسكو، ورغم حاجتها إلى ممارسة نوع من دبلوماسية اللقاح أمام ما تمارسه الحكومتان الروسية والصينية.

كل ما فعلته إدارة بايدن في البيت الأبيض في هذا الملف، أنها أرسلت شحنة من اللقاح إلى كندا والمكسيك، ولا شيء بخلاف ذلك مع أي دولة أخرى، ولأن كندا تقع شمال الولايات المتحدة ولأن المكسيك تقع جنوبها، فالمسألة هنا لا علاقة لها بما تمارسه الصين وروسيا من التمدد في أكثر من اتجاه، ولكن المسألة لها علاقة بنوع من تأمين الحدود الأمريكية المباشرة مع الدولتين الجارتين، وهو حتى بهذا المنطق تأمين متواضع، لأن محتوى الشحنة لم يتجاوز أربعة ملايين جرعة.

ما يشهده العالم منذ حل عليه هذا الضيف الثقيل المسمى بكورونا جدير بالتأمل الطويل، وجدير بالملاحظة، وجدير بالتوقف أمامه، لعلنا نستخلص منه الدروس والعبر.

إعلان

إعلان

إعلان