إعلان

مصر ورسالتها الحضارية

د. أحمد عمر

مصر ورسالتها الحضارية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 04 أبريل 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إذا كان حب الوطن من الإيمان، فالمصري القديم هو أول من عرف الله على الأرض، واخترع الدين والإيمان. وهو أول من قدس أرض بلاده، واخترع مفهوم الوطن والوطنية. وهو أول من اخترع الشكل الأول المستقر للجماعة البشرية، وعرف معها أول دولة في التاريخ، وأول سلطة وحكومة مركزية.

وعبر تاريخها الطويل كانت مصر عشق المصريين الأول والأخير، هي أرض الأجداد، ومستقر الأجساد في نهاية رحلة الحياة.

بُعدهم عن أرض بلادهم كان بمثابة الخروج من الجنة، والدخول في أرض التيه والغربة، التي يُعاني الإنسان فيها مشاعر الحنين والشوق، ويحيا على أمل العودة إليها، وأن يكون مستقره الأخير في باطن أرضها؛ كما فعل جدنا "سنوحي" صاحب القصة الشهيرة في الأدب المصري القديم.

ويُعد الراحل الدكتور حسين مؤنس واحدًا من أعظم عشاق مصر، وأكثرهم فهمًا لخصوصية أرضها، وشعبها، وتاريخها، وثقافتها، ورسالتها الحضارية. وقد عبر عن عشقه هذا في كتاب صغير الحجم عظيم القيمة، حمل عنوان "مصر ورسالتها الحضارية.. دراسة في خصائص مصر".

وهو كتاب يستحق أن يكون "إنجيلا للمصريين"، وكتابًا للوطنية المصرية، يجب دراسته في مرحلة التعليم الثانوي، لكي يُنمي عند الطلاب الشعور الوطني. ولكي يُعلمهم قيمة وعظمة وطنهم وتاريخهم، وخصوصية ثقافتهم وحضارتهم. ولكي يُحفزهم على بذل الجهد لوصل الحاضر بالماضي، وصنع مستقبل واعد يليق بعظمة التاريخ الذي يحملونه على ظهورهم.

وتتضح لنا أهمية الكتاب من معرفتنا بالموضوعات التي يعرضها بشكل مكثف، وبلغة مفعمة بالحب، تليق بعاشق عظيم لهذا الوطن. وهي:

مصر أم الدنيا.

الأبعاد الثلاثة لتاريخ مصر.

مصر وأفريقيا.

مصر والبحر المتوسط.

مصر والشرق.

رسالة مصر .. نور وسلام.

ولنتوقف هنا عند بعض الفقرات التي كتبها الراحل الدكتور حسين مؤنس في مقدمة الكتاب، فجاءت وكأنها قصيدة في حب مصر، نبعت من قلب عاشق واعٍ، أحب وفهم بعمق سمات وخصوصية معشوقته. يقول الدكتور حسين مؤنس:

"في البدء كانت مصر. قبل الزمان ولدت، وقبل التاريخ. هنا بدأ كل شيء؛ الزراعة، والعمارة، والكتابة، والورق، والهندسة، والقانون، والنظام، والحكومة".

"هنا قبل كل شيء ولد الضمير؛ هكذا قال جيمس هنري برستيد في كتاب جليل عن مصر، عنوانه "فجر الضمير". والضمير هو ذلك الوازع الداخلي في كيان الإنسان الذي يُنبهه إلى الخير، ويُحذره من الخطأ، ويحاسبه على ما يقترف من أخطاء حسابًا داخليًا صامتًا، ولكنه ألم للإنسان من كل عقاب. وعلى أساس هذا الضمير ظهرت الديانة المصرية القديمة، وكان المصري القديم أول من تنبه بالفطرة إلى حقيقة البعث والحساب".

"وفي قلب المصري القديم، وفي بيته وفي مدينته وحقله، في أرضه وسمائه وجدت "ماعت" رمز الضمير والإحساس الإنساني والقانون الأخلاقي. و"ماعت" هي ما نسميه اليوم بالمروءة التي تعني الإنسانية والحب والخير والعدالة والفضيلة".

"هذه المعاني كلها اكتشفها المصري القديم، وهو يعمل في حقله وينظر إلى السماء الزرقاء، ويستعطف الشمس، ويعانق النبات الأخضر الطالع. وعندما اكتشفها المصري القديم وصل إلى أعظم كشف في تاريخ الفكر البشري؛ "اكتشف أنه إنسان"، وأن هناك فرقًا بينه وبين الحيوان؛ فلا تنازع على البقاء وإنما تعاون للبقاء. لا قتل ولا ظلم ولا عدوان، بل حب وتعاون وإخاء".

"قرون تجري في أثر قرون، عوالم تولد ثم تموت، ومصر هنا في مكانها، تبني وتنشئ وتُعمر، وتكتب وترسم، وتُنشد وتُصلي، وتتألق وتتوهج، وتخبو ثم تتألق وتتوهج".

إعلان