إعلان

مراجعة للدرس اللبناني في ذكرى اتفاق الطائف!

عصام شيحة

مراجعة للدرس اللبناني في ذكرى اتفاق الطائف!

عصام شيحة
07:49 م الأربعاء 23 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لطالما فشلت النخبة السياسية اللبنانية في دفع الوطن بعيدًا عن منعطفات الاقتتال والتنازع، حتى بات الأمر لا يمثل جديدًا لافتًا، ولا مرتكزًا جديدًا للحياة السياسية اللبنانية.

وعليه، ففشل مصطفي أديب، 48 عامًا، المُكلف بتشكيل حكومة لبنانية جديدة، لا يمكن أن يعبر عن ضعف قدرات الرجل، وهو شخصية غير معروفة للبنانيين، وربما كان ذلك أحد عوامل نجاحه المأمول؛ إذ أنه ليس له تاريخ في النزاعات اللبنانية الداخلية، رغم أنه كان مستشارًا لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق نجيب ميقاتي، فيما بين عامي 2011 ـ 2013، كما كان سفيرًا لبلاده في ألمانيا منذ عام 2013.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن أنه انتزع تعهدًا من القوى السياسية اللبنانية بتشكيل حكومة جديدة خلال أسبوعين، وهو الأمر الذي لم يحدث.

والواقع أن مصطفي أديب يحمل أفكارًا تُشير إلى امتلاكه قناعات منطقية بحقيقة جذور الأزمات اللبنانية المتلاحقة، وما نتج عنها على المستويين الإقليمي والدولي؛ فقد أعلن الرجل في بداية تكليفه، أنه سيسعى إلى تشكيل حكومة من "الاختصاصيين" "تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة، وتستعيد ثقة اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمجتمعين العربي والدولي".

وفي ذلك إشارة واضحة إلى ما أدت إليه ممارسات الطبقة السياسية اللبنانية، على اختلاف انتماءاتها، من فجوات واسعة بينها وبين المواطن اللبناني، مثلما فقدت مصداقيتها في المجتمع الدولي، وباتت عملية مساعدة لبنان تتسم بعدم اليقين وبكثير من الضباب الذي يحجب إلى حد كبير الرؤية حتى إلى المستقبل القريب.

وهنا أود التنويه بمجموعة من الملاحظات السريعة، ألخص فيها "الدرس اللبناني" البليغ في معناه، والمفيد لكل وطني غيور على وطنه، لديه القدرة على فصل مصالحه الشخصية عن المصلحة الوطنية، تمامًا مثلما يفصل المسؤول بين المال الخاص وغيره العام.

بداية تُعد طائفية النظام السياسي اللبناني جوهر أزمات لبنان، ومنبع مشكلاته المتتالية، ذلك أن "اتفاق الطائف" الذي تم بوساطة سعودية، 30 سبتمبر 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت نحو 15 عامًا، 1975 ـ 1990، لم يستطع المساس بطائفية النظام السياسي، فقسم المناصب السياسية القيادية بين القوي اللبنانية على أساس ديني، وترك حزب الله دون نزع سلاحه، وتحويله إلى مؤسسة سياسية أو اجتماعية فحسب، وهو أمر كان مُلحًا لكنه كان أكبر من آمال الأطراف كافة. وبالتالي استمرت أزمات لبنان، ولم تستطع النخبة السياسية ترجيح كفة الوطن أمام ثقل وتشابك وتوسع المصالح، السياسية والاقتصادية.

من جهة أخرى، لم يعُد مُستغربًا أن يكون التدخل في الشؤون الداخلية للبنان مُتاحًا لمن يريد، وبالفعل استقوى حزب الله بإيران، وبات ممثلها في لبنان، وذراعها لاقتناص المزيد من النفوذ في المنطقة، وكان التعاون الإيراني ـ السوري مدفوعًا بقدرة سوريا على أداء دور الممر الآمن الواصل بين إيران ولبنان حزب الله. ولطالما دُمرت لبنان جراء اصطدام حزب الله بإسرائيل مدفوعًا بأجندة تم إعدادها في طهران.

أيضًا، الحال الذي بلغته لبنان أدى إلى فقدان الثقة بين المواطن اللبناني، في الداخل والخارج، والطبقة السياسية بكل تنويعاتها؛ ومن ثم لم يعد الشارع اللبناني قادرًا على تمييز الأفضل من بين المطروحين على الساحة اللبنانية. وقد بلغ فقدان الثقة حدًا مُذهلًا، إذ خرجت أصوات لبنانية بعد انفجار بيروت الرهيب في الرابع من أغسطس الماضي تُطالب بوضع لبنان تحت الوصاية الفرنسية، أي استعادة الاحتلال الفرنسي!. ولأن ماكرون على ثقة من أن تلك الرؤي ما عاد لها أي منطق مقبول في العلاقات الدولية المعاصرة ونحن في الألفية الثالثة، فقد أعلن الرجل أكثر من مرة أنه لا ينوي أبدًا السير في هذا الطريق!.

خلاصة الدرس، أن تماسك الجبهة الداخلية أمام ما يحيط بها من تحديات ومخاطر هو أمر حتمي لم يعد محل جدل، وهو لا يعبر عن غياب الديمقراطية، وتعدد الرؤى، واختلاف سُبل التعبير عن الرأي، بل يتعلق بوحدة الشعب وتكاتفه في مواجهة أعدائه، مثلما يتفق أطراف الطبقة السياسية على مشتركات لا يمكن العبث بها، لعل أولها المسؤولية الوطنية.

إعلان