إعلان

ساعات العمل وأيام العمل "٥"

د. غادة موسى

ساعات العمل وأيام العمل "٥"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م السبت 18 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في الجزء الرابع، تم تناول منظومة جديدة للعمل، وفقا لساعات العمل المستندة إلى الثقة. وهذه المنظومة تم تطبيقها بشكل أساسي في دول أوروبية عديدة، وكانت ألمانيا في مقدمة تلك الدول.

ويُقصد بساعات العمل المستندة إلى الثقة بين العامل وصاحب العمل تلك المنظومة التي تسمح للعامل بأن يحدد - وبحرية ومرونة - أسلوب العمل وأوقات العمل.

ولا بد أن يحدد وقت العمل الإضافي، خاصة أن من أهم الصعوبات التي تواجه فكرة العمل المرن هي أنه عمل قد يستمر - خاصة في الأعمال الابتكارية - لأكثر ببعيد من ساعات العمل التقليدية والإضافية المتعارف عليها، والتي تحدد بسبع ساعات أو ست ساعات عمل تقليدية.

ولكن هذا قد لا ينطبق على تلك المنظومة الجديدة المطبقة. فهناك عبارة شهيرة لحاكم مدينة نيويورك الأسبق- مايكل بلومبرج: "أتأكد دائماً أن أكون أول من يصل صباحاً للعمل وآخر من يغادر في المساء".

ومن ثم، فما قام به عمدة نيويورك الأسبق كان بناء على قناعاته وبإرادة حرة منه. ولكن على مستوى تنظيم علاقات العمل، فإن حساب الوقت الإضافي الذي قضاه في العمل - خلاف ساعات العمل الرسمية - وُوجه ببعض الصعوبات؛ إذ لم يُطالب قانوناً ببذل ساعات عمل إضافية ولا محدودة.

وعليه، فإن منظومة ساعات العمل المستندة إلى الثقة تسمح بالتنوع في وقت بدء العمل والانتهاء منه، ولكنها تتطلب وجود وقت "أساسي أو حيوي" يعمل فيه الجميع.

وعندما قامت حوالي ٦٥٪ من المنشآت في ألمانيا بتطبيق المنظومة الجديدة وضعت نصب عينيها الآثار الإيجابية لها على العامل؛ فالمستهدف منها هو العامل تحديداً، فهي أحد مطالبه، كما أنه في مقدمة المستفيدين منها.

ومن تلك الآثار الإيجابية تحقيق ولاء أكبر للمنشأة، وزيادة التحفيز، والحد من الشكاوى الناجمة عن ضغوط العمل، والحد من التكلفة التي تتحملها المنشأة بسبب العمل الإضافي، وخفض تكلفة الإدارة. كما تم الاهتمام أيضاً بأثر تلك المنظومة على الحد من الخلافات الأسرية بفعل ضغوط العمل، والأهم تحقيق زيادة في الإنتاجية.

أما فيما يتعلق بالآثار السلبية، فهي كيفية الثقة بإمكانية التزام العامل بالمنظومة الجديدة، خاصة أن القائمين على صياغة وتصميم تلك المنظومة اعتبروا منظومة العمل الجديدة بمثابة بدء مرحلة "المنشأة أو منظمة ما بعد البيروقراطية".

وكان أيضاً من بين تلك الآثار السلبية كيفية التحكم - إداريا- في وقت العمل وربطه بالإنتاجية، ومن ثم كيفية الثقة بقدرة العامل على تنظيم وقت عمله وفقا للمهام المكلف بها وعبء العمل، بالإضافة إلى العمل دون توقف ووصول العامل إلى مرحلة لا يستطيع فيها فصل نفسه عن العمل والخلط بين عمله وحياته الخاصة.

وعلى الرغم من الآثار السلبية التي قد تنجم عن هذه المنظومة، فإن قدرة العامل على تحقيق التوازن بين متطلبات ووقت العمل ووقت غير العمل ستزداد.

وبالتالي الوصول إلى ما يطمح له كل العاملين - أيا كانت أعمالهم - وهو "الاستقلال الوظيفي" كالذي يتحقق في الأعمال الخاصة بالتجارة الإلكترونية أو كافة الأعمال التي تتضمن عنصرًا ابتكاريا.

وفي إطار تطوير تلك المنظومة، تم وضع نموذج للتحكم في متطلبات المهنة ومتطلبات مهارات العامل منذ الثمانينيات. كما تم التمييز بين الأعمال أو المهام الفعالة وغير الفعالة.

كما تم التمييز بشكل أكبر بين العمل وفقا لمنظومة ساعات العمل المرنة، والعمل وفقا لمنظومة ساعات العمل المستندة إلى الثقة.

وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن معظم الدول التي لم تطبق تلك المنظومة والتي لا يوجد بها منظومة قانونية وإجراءات دقيقة لساعات العمل المرنة - قد تجد نفسها مضطرة، خاصة في وقت الأزمات، لتطبيق منظومة ساعات العمل المستندة إلى الثقة باعتبارها الأسرع والأكثر ابتكاراً لحين تصويب منظومات العمل بها.

في الجزء السادس سيتم تناول الكيفية التي تعالج بها تلك المنظومة مسالة الأجور وجودة المنتوج.

إعلان