إعلان

حول الصحوة المفترضة لوكلاء تركيا في ليبيا

محمد جمعة

حول الصحوة المفترضة لوكلاء تركيا في ليبيا

محمد جمعة
09:01 م الخميس 09 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في سياق متابعتنا لتداعيات التدخل التركي الراهن في ليبيا، يبدو ملفتا شبه الإجماع داخل مراكز البحث الغربية على أن الدعم التركي المقدم لحكومة السراج والميليشيات المتحالفة معها لن يغير من موازين القوى لصالح تلك الحكومة في معركة طرابلس، ولكنه سيطيل عمر هذه الحكومة ويحول دون انهيارها فقط. وهذا بحد ذاته سيشكل دافعًا للقوى الإقليمية الداعمة للجيش الوطني الليبي كي تزيد من دعمها لضمان تعزيز مواقع حليفها واستمرار تقدمه، ما يعني أنه سيكون على تركيا تقديم المزيد والمزيد من الدعم لميليشيات غرب ليبيا، وبالتالي ستتعرض أنقرة لخطر الاستنزاف والانزلاق في المستنقع الليبي.

لكن الوجه الآخر السيئ لهذا التدخل التركي يتمثل في أن إطالة أمد المعركة حول طرابلس واستمرار حالة "اللا حسم" سيفضي في النهاية إلى زيادة الفوضى هناك، ومن ثم ازدهار جماعات الإرهاب المسلح التي ستتغذى على الأسلحة والدعم التركي، وستعزز صفوفها كذلك بوصول رفقاء سلاح آخرين من فصائل إرهابية عديدة كانت تعمل في سوريا.

والمعروف هنا أن هؤلاء المرتزقة والإرهابيين القادمين من سوريا إلى ليبيا لا ينتمون أيديولوجيا إلى معسكر واحد... فهناك التركمان الموالون لتركيا، كذلك الدواعش الذين يتوقون للانضمام لإخوانهم في الصحراء الليبية، وأيضا عناصر من "جبهة النصرة" التي ستنضم على الأرجح إلى بقايا جماعات مثل: "سرايا الدفاع عن بنغازي"، أو "مجلس شوري ثوار بنغازي"، وهي جماعات هجينة تضم عناصر من الإخوان والقاعدة معًا.

* الشريحة الأولى من هؤلاء (الفصائل التركمانية): ستكون بمثابة ذراع تركية خالصة في ليبيا. إذ تتماهى هذه الفصائل أيديولوجيا مع حكومة أردوغان، وتمثل النموذج الأكمل لعلاقة الراعي بالوكيل. وستقدم على الأرجح خبرتها في معارك الكر والفر، وحروب العصابات للميليشيات المتحالفة مع حكومة السراج، التي فقدت عددًا كبيرًا من عناصرها في الآونة الأخيرة في معركة طرابلس. ومع ذلك، لا يُعرَف على وجه الدقة أثر دخول هذه العناصر الغريبة تمامًا عن ليبيا على الفصائل الليبية المسلحة في طرابلس ومصراتة. وهل يمكن بالفعل دمجها وتقبلها ضمن هذه الميليشيات أم لا؟!. ولكن في المقابل، ربما تنوي تركيا توظيف هذه العناصر الموالية لها تمامًا في حماية وتأمين: "قاعدة عسكرية" تنوي تركيا بناءها في طرابلس أو مصراتة، بحسب ما ألمح مسؤولون أتراك.

* أما الشريحة الثانية (الدواعش الذين سيجري نقل بعضهم من سوريا): فستكون بمثابة مخلب قط في يد تركيا... والأرجح أن هؤلاء لن يخوضوا معارك لصالح حكومة السراج، ولن ينضموا إلى أي من تشكيلات تحالف "البنيان المرصوص" التي هزمت داعش في سرت قبل أكثر من ثلاث سنوات. وهذا الأمر تدركه جيدًا استخبارات نظام أردوغان وتقصده تمامًا. تركيا تدرك ذلك تمامًا وتقصده.

بمعنى أن الغرض من نقل هذه العناصر هو أن تتسلل إلى عناصر ما يسمي بــــ"سرايا الصحراء" الداعشية، ما يعني ضخ دماء جديدة في عروق "دواعش ليبيا" وإمكانية استئنافهم؛ لنشاطهم الإرهابي في الجنوب الليبي، وأيضا اختراق الحدود المصرية عبر الصحراء الليبية. إذ أن استئناف نشاط داعش الإرهابي في جنوب ليبيا من شأنه إرباك قوات الجيش الوطني الليبي وتشتيت جهودها، خاصة إذا حاولت عناصر داعش تنفيذ ضربات تستهدف مواقع ومنشآت نفطية يسيطر عليها الجيش في الجنوب. كما أن لتركيا مصلحة في توجيه ضربات إرهابية تستهدف مصر – الداعم الإقليمي للجيش الوطني الليبي- في سياق الحرب الإقليمية بالوكالة الدائرة حاليًا بين محور (تركيا – قطر – حكومة السراج مؤخرًا) ومحور (مصر، السعودية والإمارات).

*وبخصوص الشريحة الثالثة: فلا توجد حتى الآن معلومات دقيقة تتعلق بأعداد من وصلوا من عناصر القاعدة أو "جبهة النصرة" السورية إلى ليبيا. لكن هذا لا ينفي أن حوادث وقعت خلال العام في بنغازي تشير إلى أصابع "جبهة النصرة" ومن بينها حادث استهداف جنازة اللواء خليفة المسماري، إذ أشارت مصادر ليبية إلى أن النمط العملياتي لهذا الحادث يبدو أقرب إلى أسلوب عناصر "جبهة النصرة"، التي تواترت أنباء عن وصولها إلى ليبيا وانضمامها إلى تشكيلات هجينة من الإخوان والقاعدة مثل مجلس شوري ثوار بنغازي أو سرايا الدفاع عن بنغازي.

ورغم نجاح الجيش الوطني الليبي في تفكيك التشكيلات الإرهابية الموالية للقاعدة، والمنبثقة عن "أنصار الشريعة"، وتطهير شرق ليبيا منها، فربما لا يزال لهذه التشكيلات خلايا نائمة هي التي ساعدت على تنفيذ العمليتين الإرهابيتين في بنغازي خلال العام المنصرم. هذه الخلايا النائمة تمثل نواة وبنية تحتية قائمة يمكن أن تتعزز بوصول رفقائهم من جبهة النصرة، لتبدأ حملة من النشاط الإرهابي تستهدف مدنًا وبلداتٍ شرق ليبيا، معقل الجيش الوطني الليبي وحكومة مجلس النواب في طبرق. وهي أيضا مصلحة تركية خالصة، إذ قد يحول النشاط الإرهابي دون تقدم قوات الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس، ويعطي الانطباع بفشل جهود الجيش في تأمين شرق ليبيا وتطهيره من الإرهاب.

باختصار، التدخل التركي في ليبيا ربما يمثل مرحلة مفصلية بارزة أو نقطة تحول للصراع هناك، كونه يفتح شريان إمداد للجماعات الإرهابية، التي خفت نشاطها وتراجع كثيرًا خلال العام الماضي نتيجة الصعوبات المالية وسقوط شبكات المقاتلين الأجانب هناك.

إعلان