إعلان

حكومة فايز السراج بعد الاتفاق مع تركيا

محمد جمعة

حكومة فايز السراج بعد الاتفاق مع تركيا

محمد جمعة
09:02 م الخميس 19 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أسابيع ثلاثة – تقريبا – مرت منذ توقيع مذكرة التفاهم بين حكومة فايز السراج في ليبيا ونظام أردوغان في تركيا، في 27 نوفمبر الماضي.

خلال هذه الفترة لا يشير التطور الحادث في مواقف القوى الدولية والإقليمية تجاه الصراع في ليبيا، إلي أن موازين القوى أصبحت تميل لصالح تلك الحكومة وحلفائها في الداخل الليبي، أو حتى ظلت على حالها قبل توقيع الاتفاق.

فمن خلال الاتفاق مع تركيا، خسرت حكومة السراج ثلاثة أشياء تتفاوت أهميتها: أولها، دعم بعض القوى التي وقفت إلى جانبها أو كانت تؤيدها وتعتبرها العنوان الرسمي لليبيا مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية. وثانيها، حياد بعض القوى تجاه الصراع في ليبيا مثل قبرص واليونان، ومن ثم انتقالها إلى معسكر الداعمين للجيش والبرلمان الليبيين. وثالثها، قطع قنوات اتصالها مع أطراف إقليمية عربية فاعلة في ملف ليبيا... هذه الأطراف، حتى وإن كانت حليفة للجيش الوطني الليبي، كانت حريصة على احتواء حكومة السراج وعلى استمرار قنوات الاتصال معها بهدف التشاور من أجل إيجاد تسوية متوازنة للصراع، والابتعاد بالجميع عن مربع المعادلات الصفرية.

*فعلى الصعيد الدولي، أصبحت بعض الدوائر الدبلوماسية والأمنية والعسكرية الغربية تنظر لحكومة السراج كطرف متورط في ممارسات تنذر بتحول الصراع "منخفض الحدة والتوتر" في ليبيا إلى "خط تماس" إقليمي – دولي ساخن، بل وربما، متفجر.

ولهذا رأينا تبدلا في مواقف إيطاليا الطرف الداعم تقليديا لحكومة السراج. ورأينا كذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت معارضتها للاتفاق، على الرغم من أنها كانت تُعتبر دائما من الداعمين لحكومة السراج، وتحرص على مراعاة وضع تركيا الدقيق داخل الناتو، بل وأظهرت مؤخرًا (خاصة في مواقفها تجاه الملف السوري) حرصها على احتواء أنقرة وقطع الطريق على تقاربها مع موسكو.

وفى السياق الدولي أيضا، معروف أن الاتحاد الأوروبي كان قد اعتمد إطارًا للعقوبات الاقتصادية ضد تركيا (الشهر الماضي) ردًا على عمليات التنقيب قبالة ساحل قبرص، في انتهاك للجرف القاري الضمني لجمهورية قبرص والمنطقة الاقتصادية الخالصة لها... الآن، تدفع الجرأة الهائلة لمذكرة التفاهم البحرية بين حكومة السراج وتركيا، الاتحاد الأوروبي نحو النظر في توجيه ضربة أخري لتركيا وتدفع بلدان كانت محايدة سابقًا أو مؤيدة لحكومة السراج نحو المعسكر المناهض لها.

*إقليميا، معروف أن الاتفاقية أثارت بالفعل رد فعل عنيفًا من اليونان وقبرص ومصر، كونه لا يتماشى مع القواعد المحددة لـــ"المناطق الاقتصادية الخالصة" أو مبدأ الجرف القاري الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وقد دفع هذا اليونان إلى طرد السفير الليبي المنتسب إلى حكومة السراج وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، وهي خطوات غير مسبوقة وضعت أثينا في المعسكر المؤيد للجيش الليبي في المستقبل المنظور. ومن المرجح أن تنخرط كلٌ من اليونان وقبرص (اللتان كانتا في السابق من المتفرجين على الحرب الأهلية الليبية) بشكل متزايد في ليبيا من موقع المعادي لحكومة السراج.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشركات اليونانية كانت قد "انحازت" مؤخرًا من خلال توقيع عقود مع السلطات في شرق ليبيا الموالية للجيش ومنح إكسون موبيل حقوق استكشاف بالقرب من كريت - في المياه التي تعتبرها، ليبيا تقليديًا جزءًا من منطقتها البحرية. وقد أدى هذا إلى تغيير الساحة أمام المصالح التركية.

أما مصر وحلفاؤها في الخليج، فالمؤكد أنهم لن يمرروا ما حدث من قبل السراج دون ثمن، خاصة وأن حكومته اليائسة أظهرت عدم اكتراث واضح بحسابات تلك الأطراف، ولم تلتفت إلى الحساسيات التي يثيرها وضع الجيش التركي على خط تماس متقدم مع الحدود المصرية، أو تدعيم نفوذ "العثمانيين الجدد" في شمال أفريقيا.

*باختصار، لقد منحت حكومة السراج، البرلمان والجيش الوطني الليبي الفرصة لتسوية الساحة ضدها في الحرب الإعلامية، رغم إنفاقها لملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة.

ولا شك أن اتفاقها مع تركيا (الذي يتجاهل بشكل صارخ قواعد القانون الدولي) سيتسبب في حرمانها من الاعتراف الدولي لبعض دول شرق البحر المتوسط.

ناهيك عن أن التطور الحادث في مواقف الأطراف، إقليميا ودوليا، منذ توقيع ذلك الاتفاق، يعكس مدى قصر نظر السراج وحلفائه في الداخل الليبي، الذين بدوا وكأنهم يضحون بكل المكاسب الاقتصادية المستقبلية، والشرعية الدولية الطويلة الأجل، تحت ضغط احتياجاتهم العسكرية العاجلة....

إعلان