إعلان

توأمة التطرف والديكتاتورية

توأمة التطرف والديكتاتورية

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 17 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يومـًا بعد آخر، تتكشف أسرار تلك الصلة الغامضة بين الديكتاتورية وصعود نجم الحركات الدينية، وخصوصـًا الجماعات المتطرفة منها.

فقد كان سقوط الأنظمة الفردية والشمولية والديكتاتوريات العقائدية من كل لون- خدمة جليلة للدين وللتيارات التي تتحرك تحت مظلته، كما نرى مثلاً في العراق وليبيا، وكذلك في جمهوريات آسيا الوسطى وعودة النشاط إلى الكنيسة الروسية وغيرها.

لعب التوسع العالمي في الحريات دوراً بارزاً في عودة التدين، وبفضل «الموجة الثالثة» من إحلال الديمقراطية، هكذا يقول الباحثان تيموثي صامويل شاه ومونيكا دافي توفت في دورية "فورين بوليسي" المنشورة في عدد شهر أغسطس 2006، بين منتصف السبعينيات وأوائل التسعينيات: «أمكن للشعوب في عشرات الدول الحصول على قوة تمكنهم من تشكيل الحياة العامة في بلادهم. وفي بلد تلو بلد، شرعت الجماعات التي أصبح لها نفوذ سياسي، في تحدي العقبات العلمانية التي وضعها الجيل الأول من زعماء التحديث في فترة ما بعد الاستقلال. وكثيراً ما كانت التعاليم العلمانية الصارمة، كما هو الحال في الدول الشيوعية، تفرض بواسطة القمع الواضح، وفي حالات أخرى، كما في تركيا في عهد أتاتورك والهند في عهد نهرو ومصر في عهد عبدالناصر، احتفظت العلمانية بالشرعية، لأن فئات الصفوة اعتبرتها مسألة جوهرية للتكامل الوطني والتحديث».

ونجمت عن التطورات السياسية في دول أخرى ظروف ساعدت على انتعاش الاهتمام بالدين بشكل واسع، كما جرى في الهند والمكسيك ونيجيريا وتركيا وإندونيسيا في أواخر التسعينيات، حيث ازداد النفوذ الديني على الحياة السياسية بقدر هائل. وحتى في الولايات المتحدة «مارس أتباع الكنيسة الإنجيلية التبشيرية» نفوذاً متزايداً على الحزب «الجمهوري». هل كان الاهتمام بالجانب الديني ناجماً عن أفراد الصفوة الذين يستغلون الرموز المقدسة لتعبئة الجماهير، أم أن ما سهل ذلك الاستعداد النفسي لدى الجماهير؟

في الواقع، يقول الباحثان إن تزاوج الدين والحياة السياسية كثيراً ما يجد ترحيباً، بل مطالبة من قبل الشعوب في أنحاء العالم. وفي دراسة أجريت عام 2002، اتفق 91 بالمائة ممن استطلعت آراؤهم في نيجيريا، و96 بالمائة في بنجلاديش على أن الزعماء الدينيين يجب أن يكونوا أكثر ضلوعاً في المسائل السياسية. وأوردت دراسة أجريت في ست دول في يناير عام 2004 أن «معظم العرب الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يريدون أن يقوم علماء الدين بدور أكبر في الشؤون السياسية».

وفي الدراسة ذاتها أشارت أغلبيات أو أكثريات في المغرب والسعودية والأردن إلى الإسلام بوصفه الهوية الرئيسية، متفوقاً بذلك على الانتماء الوطني. وأطلق انهيار ديكتاتورية "البعث" شبه العلماني في العراق العنان للولاءات الدينية والعرقية وساعد الإسلام في تشكيل دور مهيمن في الحياة السياسية للبلاد، بما في ذلك الدستور الذي تم إقراره في الآونة الأخيرة، وبينما انحسرت الديكتاتوريات اليمينية واليسارية في أمريكا اللاتينية، وتعمقت جذور الديمقراطية، أصبح التبشيريون كتلة انتخابية ذات نفوذ كبير في عدد من الدول، بما فيها البرازيل وجواتيمالا ونيكاراجوا».

على صعيد آخر، أدت الحداثة وأدواتها إلى إيجاد جيل جديد من الحركات الدينية المحافظة ذات الكفاءة التكنولوجية! ولم يعد أكثر الإيمان الديناميكي درعاً اليوم هو «دين العصر القديم» بقدر ما هو الدين الراديكالي والحديث والمحافظ.

يتميز البعث الديني المعاصر في دول عدة بإيجاد المنظمات المتطورة ذات القدرة السياسية. «وهذه المنظمات الحديثة تعكف بفعالية على توجيه المؤسسات المتخصصة بالإضافة إلى استخدام أحدث التقنيات في تجنيد الأعضاء الجدد وتعزيز الروابط مع القدامى وتقديم خدمات اجتماعية ودفع أجندتها في مجال الخدمة العامة».

وتشير المقالة إلى ما فعلته حركة «فيشوا هندوباريشاد» في الهند التي سعت في نجاح وصعود حزب «بهاراتيا جاناتا» الانتخابي، كمنظمات مماثلة في العالم الإسلامي تشمل "الإخوان" في مصر والأردن و"حماس" في الأراضي الفلسطينية و"حزب الله" في لبنان ونهضة الأمة في إندونيسيا.

ينظر الباحثان إلى دور التيارات الدينية في التعامل مع الديمقراطية من جانب إيجابي وآخر سلبي، إذ إنه «بإمكان الراديكاليين الدينيين في نهاية الأمر إعاقة الديمقراطية بسرعة الفوز بالسلطة، ثم استبعاد (الكفار) بعد ذلك. وبالقدر نفسه مع الخطورة، بإمكان الدين المسيّس إشعال فتيل صراع أهلي؛ فمنذ عام 2000 كانت نسبة 43% من الحروب الأهلية دينية، وكان ربع تلك الحروب فقط لأسباب دينية في الأربعينيات والخمسينيات. كما تعد الأيديولوجية الدينية المتطرفة، بطبيعة الحال، دافعاً رئيسياً لمعظم الهجمات الإرهابية التي تتعدى الحدود القومية».

وهذا بالضبط ما حدث.

إعلان