إعلان

العيب والحرام والممنوع

العيب والحرام والممنوع

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 26 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذا ليس عنوان فيلم أو فكرة مسلسل، إنه أسلوب حياة، أو بالأحرى أساليب حياة، اعتنقنا منها جانبًا ونبذنا جانبًا، فآلت الأوضاع إلى ما هي عليه من خليط بين مسخ وقبح مكلل بعبارة جوفاء اسمها "شعب متدين بالفطرة".

الفطرة التي نغوص فيها قولاً وتشبثًا وتحججًا وتعذرًا تقف على طرف نقيض من الفطرة الوارد ذكرها في المعجم، حيث الخلقة التي يكون عليها كل موجود أول خلقه، والطبيعة السليمة التي لم تشب بعيب، والاستعداد الطبيعي لإصابة الحكم والتمييز بين الحق والباطل.

وهل هناك باطل أكثر من سؤال استنكاري باغتني به رجل "ملتزم" "متدين بالفطرة" قائلاً: "وإيه اللي دخل بقى السواقة في التدين إن شاء الله؟!" وكنت قد أشرت في تدوينة فيسبوكية إلى أن العجب كل العجب في مجتمع يقول عن نفسه إنه ملتزم دينيًا ومتدين فطريًا ويعرف ربنا خير معرفة ثم يقود سيارته عكس الاتجاه، ويُمعن في سرعة جنونية على الطرقات، وينزع لوحة أرقام السيارة عامدًا متعمدًا درءًا للمسؤولية والمخالفة!

المخالفة الصريحة بين "التدين والالتزام" من جهة و"الأدب والأخلاق والسلوكيات والاحترام" من جهة مخالفة قاتلة هادمة خانقة. وتشويه المنتقدين، والترويع باتهامات البُعد عن الدين، والانعزال في ثنائية إما التدين حسب النسخة السائدة أو التصنيف باعتبار المخالف خارجاً عن الملة دفعت المجتمع المصري إلى هذا الشكل العجيب الغريب المريب. فإياك وانتقاد أصوات عشرات المؤذنين المتصارعين على تعلية الصوت والإطالة في الأذان ابتغاء الحسنات ومرضاة الله. وحذار أن تُجاهر بالاعتراض على تحويل أرصفة شوارع وأركان محطات المترو ومواقف باصات النقل العام وطرقات المصالح العامة إلى مساجد حتى يتمكن المؤمنون من الصلاة. والويل كل الويل لمن تفوه بـ"صباح الخير" أو "مساؤه" وليس "السلام عليكم". وياويلك ياسواد ليلك إن بادرت إلى إزالة الملصقات الفوسفورية "صلي على النبي" التي طلعها أحدهم على جدران المباني والكباري والمصاعد عربات المواصلات العامة. فإنك بهذا تفعل الحرام وما أدراك ما الحرام.

تقول "عيب" "مايصحش"، يباغتك بمتلازمة "النقاب والعري". "يعني تفضل كتابة العبارات الإباحية، ونشر الأغاني الجنسية، والترويج للأفعال الخارجة؟!" دائمًا ما يصطدم أنصار العيب والـ"مايصحش" باتهامات تضعهم في خانة الزنادقة. طالما ترى النقاب تطرفًا، فأنت حتمًا من أنصار العري. وطالما تنزعج لتشويه الجدران – ولو كان بكتابات دينية، فأنت دون شك كافر أو مرتد. وحيث إنك معترض على صوت الأذان العالي وأصداؤه التي تردد من آلاف الهواتف المحمولة على الملأ، فأنت عدو الدين أو ناشر للفسق والفجور أو على الأقل مفضل لهما.

وأغلب الظن أن إسدال الستار على التربية القائمة على "العيب" و"مايصحش" وإخضاع مظاهر الحياة لـ"الحرام"، أعلن نهاية المجتمع المصري المنضبط سلوكه بمعايير متوارثة والمحكومة تصرفاته بمخزون هائل من القيم الإنسانية الراقية. وحلت محل كل هذا منظومة "الحرام" التي تم سنُّها من قبل مشايخ متأثرين بثقافات مغايرة وذات أولويات لا تتعلق بالله والدين والمتدينين بقدر ما تتعلق بمصالح وسياسات.

سياسة فصل التدين عن التعامل اليومي في الشارع بدت واضحة في السؤال الاستنكاري المتعجب من أن يكون أسلوب القيادة له علاقة بالتدين. فما الذي يضيفه إلىّ كمواطن كونك تصلي الفروض والسنن، وتصوم رمضان ويومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، ولا تتفوه إلا بـ"جزاك الله خيرًا" و"السلام عليكم"، لكنك تعرض حياتي وحياة من حولي للخطر بقيادة هوجاء أو سير عكس الاتجاه؟ وما الذي يعود عليّ من قرارك نشر نسختك من التدين عبر تلطيخ حائطي أو الحفر على جدران مصعد المنفعة العامة أو إقامة الصلاة على رصيف مترو الأنفاق؟

تدينك وتديني شأن خاص بكلينا على حدة. و"العيب" الذي نشأنا عليه وكذلك "مايصحش" لم ينص على "جزاك الله خيرًا" بقدر ما نص عليه فعلاً. بالطبع لم أذكر القانون الذي يفترض أن يكون الحاكم الأكبر بيننا، ولكنه في غيبوبة بعد ما ظل سنوات في غفلة!

إعلان