إعلان

السيسي ومعركة "الاستقلال" الثانية

السيسي ومعركة "الاستقلال" الثانية

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

08:43 م الإثنين 24 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. إيمان رجب

الاستقلال من أنبل الغايات التي تسعى الأمم لتحقيقها، وهو في أبسط معانيه يعني "ألا يتحكم فيك أي طرف خارجي" ، سواء اقتصاديا أو أمنيًا أو سياسيًا. وتحقيق الاستقلال على مر العصور بالنسبة للدول هو معركة إما تنتصر فيها أو تهزم. والمعركة بهذا المعنى كانت مسيطرة على خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقاه في افتتاح القاعدة العسكرية "محمد نجيب".

ولعل الحديث عن معركة الاستقلال الثاني التي تخوضها الدولة حاليًا، إن جاز وصفها كذلك، أثناء افتتاح القاعدة العسكرية له دلالاته الرمزية المهمة. حيث كان اللواء نجيب أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952 التي ساهمت في استكمال تحقيق الاستقلال الوطني لمصر، خاصة بعد تحقق الجلاء الكامل للقوات البريطانية بعد 4 سنوات من قيامها.

وقد اختصر الرئيس السيسي في خطابه معركة تحقيق الاستقلال الثاني للدولة في أن تكون "دولة تعتمد على نفسها وتحترم نفسها"، وتكون مستقلة في قرارها. وربما كان أحد فصول هذه المعركة خلال الفترة الماضية هو سعي مصر جاهدة لاحتواء الضغوط التي تمارس عليها من قبل الأصدقاء والأشقاء لتغيير سياساتها الخارجية تجاه سوريا وليبيا. ورغم أن حرص مصر على استقلال سياساتها كبدتها خسائر وأدخلت العلاقات مع هذه الأطراف في مراحل توتر وخلاف واختلاف، إلا أن التحولات التي تشهدها المنطقة حتمت على كل هذه الأطراف القبول باستقلال السياسات المصرية.

ويظل استكمال تحقيق الاستقلال الثاني خلال المرحلة الحالية، بمعنى استقلال القرار، يطرح أسئلة من قبيل الاستقلال عن من؟ ، وماهي طبيعة مشروع ما بعد تحقق الاستقلال؟. والإجابة على هذه الأسئلة في معركة الاستقلال الأولى كانت واضحة، حيث عنت تحرير الأرض من الاحتلال البريطاني، وكان المشروع هو بناء الدولة الوطنية المستقلة.

ولكن في معركة تحقيق الاستقلال الثاني، فإن هذه الأسئلة بحاجة لمزيد من المناقشة على ضوء خطاب الرئيس، والذي حدد فيه بعدان رئيسيان لهذه المعركة. يتعلق البعد الأول بأن ما تتعرض له الدولة حاليًا هو محاولات التدخل في شئونها بهدف "النيل من الروح المعنوية" للشعب، كما ورد في خطاب الرئيس ، وهذه المحاولات تأخذ صورًا مختلفة عبر عنها في الفترة الماضية التسريب الصوتي الذي نسب للشهيد المنسي بعد حادث جنوب رفح، والأفلام التي تصدر صورة سلبية عن أوضاع المجندين في الجيش المصري، فضلًا عن وجود فريق يصدر روح الإحباط والتشاؤم والتقليل من أهمية أي مشروع اقتصادي أو اجتماعي يتم إطلاقه دون أن يقدم هذا الفريق تقييم موضوع لهذه المشاريع، ودون أن يكون هناك أيضًا ممثل عن الحكومة قادر على الرد بصورة موضوعية على مايطرحه هذا الفريق.

وينصرف البعد الثاني، إلى أن الدولة خلال المرحلة الحالية قد لا تمتلك كل المقومات التي تمكنها من التصدي لمحاولات النيل من استقلالها، خاصة فيما يتعلق باستمرار حاجتها للاستثمارات الأجنبية والتي عادة ما تكون مرتبطة بشروط سياسية معلنة أو غير معلنة. ولكنها تمتلك أحد أهم مقومات استقلال الإرادة وهو قوات مسلحة متطورة أصبحت أكثر قدرة على الدفاع عن الأرض كما اتضح في العرض العسكري المصاحب لافتتاح القاعدة نجيب، والتي تعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.

وفي إطار النقاش حول الاستقلال الثاني، أرى أنه من المهم أن تهتم النخبة المثقفة في مناقشتها لأبعاد هذه المعركة، بالبعد المسكوت عنه، وهو أهمية وجود "مشروع وطني" سياسي واقتصادي واجتماعي، تلتف حوله كل فئات الشعب ويحدد بصورة معلنة وواضحة الرؤية والغاية المراد تحقيقها، وذلك في إطار شراكة بين النظام السياسي والشعب بأجياله المختلفة، وهو ما يعد متطلبًا ضروريًا لتحقق الاستقلال الثاني واستمراره لسنوات. وبهذا المعنى قد يكون تحقيق الاستقلال الثاني هو عملية أكثر تعقيدًا من الاستقلال الأول.

إعلان