إعلان

عذرا.. نحن أعداء المتعة

عذرا.. نحن أعداء المتعة

أشرف جهاد
09:00 م الجمعة 01 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تشير إليّ سيدةٌ أجنبية ستينية لأنضم لها في الرقصة.

كان حفلاً على روح داليدا، ابنة شبرا التي عشقت الحياة، فأنستنا همومنا كلها وهي تغني بصوتها الحنون "حلوة يا بلدي"، ورسمت على وجوهنا الابتسامة وهي تغني لنا "أحسن ناس". قبل أن توجعنا بالحقيقة كلها وهي تستغيث بالعالم، صارخة "je suis malade". لم يفهمها أحد، وكانت هي تعلم ذلك فاختتمت الأغنية قائلة "ألا تفهم.. أنا مريضة".

لم يفهم أحد وانتحرت الفتاة المرحة القوية، لحقت بأحبائها الثلاثة الذين اقتربوا منها فاحترقوا بالحياة وانتحروا، وفي 3 مايو 1987 تناولت جرعات زائدة من الأقراص المهدئة. غادرتنا تاركة وراءها رسالة فيها جملة واحدة: "سامحوني الحياة لم تعد تحتمل".

أقف مثل الحجر، أبتسم للسيدة ابتسامة بلهاء، أقمع جسدي عن التمايل مع النغمات مثل عشرات الأجانب والمصريين، أشعر بخوف شديد من خدش صورتي كشاب مصري متزن.

تعرض السيدة ثانية، تدرك مخاوفي كلها، تمد يدها لتحررني.. ابتسم وأرفض. "نحن المصريون، لا نعرف كيف نستمتع، نشعر بالحرج إن ضبطنا نستمتع بشيء"، كنت أريد أن أعتذر لها بهذه الجملة. لكني سكت.

***

في حفلة لأحمد الحجار، أطربتني إحدى أغانيه، صفقت بقوة وحيدًا. مال علي صديقٌ كان بجواري وقال "شكلك وحش.. أحرجتني".

بالصدفة كانت هناك صديقة قديمة، مصرية تربت في بريطانيا، رأتني لحظتها، واخترقت الصفوف لتسلم علي. مال الصديق مجددًا وقال "أيوة ياعم، دي عدلت الموقف".

سألت الفتاة "أي موقف؟"، وعندما علمت ظلت تضحك على صديقي.

***

عندما كنا في المدرسة الثانوية، خيرنا مدرس اللغة الفرنسية بين أن ينطق الحروف والكلمات بالفرنسية، وبين أن يقرأها بالإنجليزية. ونطق باللغتين، ضحكنا حتى الثمالة لما تحدث بالفرنسية، وسخرنا من دلع اللغة. والآن لا أحد منا يدرك الفرنسية.

في الصف الثاني الثانوي، أرسلت الوزارة أحد مدرسي اللغة الإنجليزية تدريبا عمليا 6 أشهر في بريطانيا، عاد يتحدث بلكنة الإنجليز. سخر زملائي منه، وكنت تعلمت الدرس مما فعلناه في الفرنسية، لكني لم أجرؤ على الذهاب للتعلم منه. وبقى نطق الإنجليزي مشكلتي الأساسية حتى اليوم، لدرجة أني لا أثق إذا تحدثت الإنجليزية أن يفهم من أمامي ما أقول.

***

المدن تتلون بتصرفات ساكنيها.. طريقتنا في الحياة تفرض عليها لونها وحليتها. وعاصمتنا أسميناها القاهرة.

تدعوني جارة فلبينية أثناء إقامتي في الإمارات للخروج معها وأصدقائها في نزهة اعتادوا عليها كل يوم الجمعة.

كانت تعمل 12 ساعة يومية و6 أيام أسبوعيا، ومع هذا كانت خروجة الجمعة مقدسة. وكنت وزملائي المصريون نعمل 6 ساعات فقط، كانوا يخرجون يوميا، وكنا دوما نتوقف عند النية.

***

أول مرة تعرفت فيها على دبي عام 2006، رأيتها عروسة جميلة تماما مثل "باربي" بلا روح. في كتابه "رؤيتي.. التحديات في سباق التميز"، قدم محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي وصفا لإمارته قبل 2008، فهي ميدان سباق عليك أن تكرس حياتك للتنافس فيه، إذا استرحت ستتأخر.

بعد أزمة 2008 الاقتصادية تغيرت رؤية محمد بن راشد صار يفكر في تعيين وزيرا للسعادة، أعتقد أنه لم يعد يرى التميز في مجرد خوض غمار سباق أعمى كالإبل. لم أزر دبي منذ 2010، لكن أعتقد أنها ربما تكون تغيرت الآن.

لا زلت في مصر، حيث كل شيء كما هو، ونضطر لخوض السباق الحياتي بنفس معايير سباقات الإبل في الخليج.

***

مزجٌ بنائي ختامي

"حرمتني من غنائي، أفرغتني من كل كلامي، رغم أني كنت أؤمن بموهبتي.... هذا الحب سيهلكني، إذا ما استمر الحال".. قالتها داليدا، وهي تصف مرضها للعالم، تنعي من غادرها، وهي في الحقيقة تنعي نفسها، أن تموت بالبطيء، يفرغك المجتمع/القاتل من كل مواهبك ويتركك لتموت موتة طبيعية.

ربما يجب عليك أن تسمع داليدا:

إعلان