إعلان

ماذا تعرف عن العالم الخفي للمعابد اليابانية المدرجة؟

05:44 م الخميس 26 نوفمبر 2020

المعابد اليابانية المدرجة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

طوكيو- (بي بي سي):

في عام 816، تجول راهب يدعى كوكاي، في المنحدرات كثيفة الأشجار بجبل كويا (كويا سان) بمحافظة واكاياما اليابانية بحثا عن موقع مناسب لإقامة مقر لنشر تعاليم طائفة شينغون البوذية، التي أسسها حديثا.

ووقع اختياره على واد عمقه 800 متر محاط بثماني قمم حادة تشبه أوراق زهرة اللوتس ذات الثمانية أوراق.

وبعد مرور 12 قرنا على وصول كوكاي إلى كويا سان، وبناء 117 معبدا، أدرجت منظمة اليونيسكو عالم كوكاي الروحاني في سلسلة جبال كيئي ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، ويعد واحدا من المواقع الأكثر قدسية في اليابان. فرائحة البخور التي تفوح في أرجائة وصوت إنشاد الرهبان حليقي الرأس والهواء المحمل برائحة الأضرحة القديمة المحفوفة بالأشجار، تضفي على المكان هالة روحانية منقطعة النظير.

عبادة الطبيعة

والآن، يعد كويا سان جزءا من مسارات الحجيج المقدسة، حيث تبدو أشجار الأرز والسرو والشلالات المتدفقة وقمم الجبال المتوجة بالمعابد في بعض المناطق كما لو كانت معلقة بين السحب.

وتستقطب هذه الشبكة من الأحجار المغطاة بالطحالب والمسارات الطينية التي تربط بين أضرحة كومانو الثلاثة الكبرى وبين كويا سان، نحو 15 مليون زائر سنويا، وتعكس عبادة الطبيعة المتأصلة في التاريخ الياباني. فيؤمن أتباع ديانة الشنتو اليابانية بأن الغابات والصخور قد تسكنها أرواح الآلهة (كامي)، ولهذا يعتبرون كل عنصر من عناصر الطبيعة مقدسا.

وخُصص 50 معبدا من 117 معبدا في كويا سان، لإيواء الزوار، ويُعرف كل منها باسم "نُزل شوكوبو"، حيث يبيت الزوار ويتأملون ويتواصلون مع الرهبان. ومنذ أن حط كوكاي، الذي عرف بعد وفاته باسم كوبو دايشي، رحاله في المنحدرات المعزولة في كويا سان قبل أكثر من 1200 عام، لا يزال الناس يعتقدون أن روحه تسكن المكان في حالة تأمل أبدي.

سانكو الطائرة

تمزج قصة قدوم كوكاي إلى كويا سان بين الواقع والخرافات. فيحكى أنه قبل وصوله، درس البوذية الباطنية في الصين لمدة عامين، وعندما كان يستعد للإبحار إلى اليابان في عام 806، ألقى أداة شعائرية ذات ثلاثة رؤوس، تسمى سانكو في الهواء وقال: "لقد ورثت هذه التعاليم، فإذا كان هناك مكان جيد لنشرها فيه، رجاء اذهبي أولا وأرشديني إليه".

ويقال إن سانكو طارت نحو كويا سان. وبعد عشر سنوات، بينما كان كوكاي يتجول في الغابات، التقى صيادا وكلابه، وقد أراه الصياد سانكو عالقة في شجرة صنوبر. واليوم في المعبد الرئيسي بكويا سان، الذي يعود إلى القرن السادس عشر، تبدو صورة الصياد والكلاب على لوحات النذور الخشبية، التي يكتب عليها الزوار صلواتهم للآلهة.

توسع المكان المقدس

قبل أن يشرع كوكاي في بناء مجمع المعابد، كان عليه أن يحصل على ترخيص من المحكمة الإمبراطورية باليابان. ووافق الإمبراطور ساغا في عام 816 على طلبه. ومنذ ذلك الحين، انتشرت المعابد في كويا سان. ففي عهد إيدو بين عام 1603 و1868 بلغ عدد المعابد الصغيرة 1,000 معبد، شكلت فيما بعد 117 معبدا كبيرا.

واعتمد وجود هذه المعابد اعتمادا كبيرا على دعم العائلة الإمبراطورية والطبقة الأرستقراطية ومحاربي الساموراي النبلاء والعوام، وكان الكثير منهم يحرص على أن يكون قريبا من روح كوكاي بزيارة ضريحه وبأن يدفن في مقابر "أوكونوين" بكويا سان بعد موته.

واليوم أصبح للشركات الكبرى نصيب في الجزء الجديد من مقابر أوكونوين، حيث أقيمت نُصب تذكارية للعاملين في شركات مثل "نيسان" و"باناسونيك" و"شارب" وغيرها، ويأتي الزملاء والعملاء لزيارة النصب، وبعضهم يترك بطاقة الأعمال في صندوق خاص بجوار النُصُب التذكارية.

مزيج مثير

لا تزال كويا سان، رغم كثرة الحافلات السياحية ومتاجر الهدايا الذكارية والزحام الذي يدل على أنها أحد المقاصد السياحية، تحمل عبق الماضي وتسودها أجواء روحانية. ويزور الموقع سنويا مليونا شخص، لكن 60 ألف منهم فقط غير يابانيين.

وترتبط حياة الغالبية العظمى من سكان بلدة كويا سان، الذين يبلغ عددهم 3,000 نسمة، ارتباطا وثيقا بمذهب الشينغون، فبعضهم رهبان أو راهبات وبعضهم يعمل في أنشطة ذات صلة بالديانة، مثل بناء شواهد القبور.

وتحمل بلدة كويا سان الكثير من سمات البلدان اليابانية المعتادة بعيدا عن معابدها. فهناك متاجر السلع الأساسية الصغيرة ومطاعم الشعيرية "النودلز" في الشوارع الجانبية والمطاعم الفاخرة التي تقدم المشروبات واللحوم. إذ تمزج كويا سان بين الماضي والحياة المعاصرة.

دخول كويا سان

يأتي معظم العبّاد والسياح إلى كويا سان، بالحافلات أو السيارات أو عبر رحلة بالقطار تنتهي بركوب التلفريك لمسافة 900 متر إلى بلدة كويا سان أعلى الجبل، رغم أن البعض لا يزال يقطع هذه المسافة سيرا على الأقدام.

وكان الحجيج في الماضي، يأتون من جمع أنحاء اليابان، ويسلكون مسارا طوله 21 كيلومترا ثم يمرون أسفل بوابة دايمون القرمزيه المكونة من طابقين، ويبلغ طولها 25.8 مترا وتحرسها تماثيل ضخمة مهيبة للإله كونغوريكيشي.

ولم يكن يسمح للنساء بدخول بلدة كويا سان حتى عام 1872. ويوجد على يسار بوابة دايمون مسار كانت الحاجّات يتخذنه للوصول إلى أحد أروقة نيونين-دو السبعة التي كانت متاخمة قديما لكويا سان، حتى يتعبدن هناك دون أن تطأ أقدامهن كويا سان.

متاح للجميع

وبعد ذلك، يتوجه الحجيج إلى مجمع دانجو غاران الرئيسي، المكون من نحو 12 مبنى شيدهم كوكاي وأتباعه في البداية في كويا سان. ويعد هذا المجمع واحدا من أهم مزارات العبّاد والسياح في كويا سان، رغم أن معظم المباني هنا رممت حديثا. ومن أبرز المعالم في فناء المجمع شجرة الصنوبر التي يقال إن أداة كوكاي الطائرة "سانكو" هبطت عليها.

لكن أكثر المعالم لفتا للأنظار هو معبد "كونبون دايتو" المكون من طابقين ويبلغ طوله 47 مترا، ويزوه العباد لتطهير أنفسهم بوضع بخور قرنفل مركز عتيق على أيديهم ويصلون أمام تمثال برونزي لداينيشي نيوراي (المعبود الرئيسي في البوذية الباطنية). وهناك أربعة تماثيل لحراسة هذا التمثال البرونزي، و16 من الأعمدة التي تشكل مجتمعة خارطة ميتافيزيقية للكون.

وتقول تاكيموتو سان، الراهبة بكونبون دايتو: "إن شينغون ديانة منفتحة، ولا يشترط أن تكون متدينا لتزور كويا سان، فالكثير من الزوار ليسوا كذلك. ويُسمح لأي شخص بالدخول وإشعال شمعة أو عود بخور".

المركز الروحاني

يقع معبد كونغوبوجي، المعبد الرئيسي بين نحو 3,600 معبد شينغون في البلاد، على بُعد مئات الأمئار من دانجو غاران. ويعد المعبد حديثا نسبيا مقارنة بالمعابد في كويا سان، إذ بناه تويوتومي هايديوشي، حاكم اليابان آنذاك، عام 1593 تكريما لأمه بعد وفاتها.

لكن هايديوشي لم يكن على وفاق مع جميع أفراد عائلته، وأمر ابن شقيقه، بتنفيذ طقس الانتحار. وأطاعه ابن شقيقه وأقدم على الانتحار في غرفة بالمعبد أمام أبواب منزلقة مزينة برسم لطائر البلشون على شجرة الصفصاف المغطاة بالثلج.

ويعد هذا العمل الفني واحدا من مجموعة من الرسومات على الأبواب والحواجز المطوية بين الغرف التي لا تقدر بثمن، وتشهد على ثراء هايديوشي وسطوته.

وهناك أيضا حديقة لا تقل روعة، وهي حديقة بانريوتي، أكبر حديقة من الصخور في اليابان، والتي استخدم في بنائها 140 صخرة غرانيت على قاعدة رملية وتجسد تنينين ذكرا وأنثى، يخرجان من السحاب لحماية المعبد.

مقابر خاصة

وعلى أطراف كويا سان، يسير الحجيج عبر مدافن "أوكونوين" المحاطة بالأشجار، التي تمتد على مسافة كيلومترين، للوصول إلى البقعة الأكثر قدسية في كويا سان، وهي ضريح كوكاي، حيث يقال إنه يجلس في حالة تأمل أبدية.

وتضم أوكونوين نحو 200 ألف شاهد ونصب تذكاري بوذي، بعضها مقبب وبعضها على شكل تماثيل جيزو الصغيرة، مما يضفي حيوية على المكان. وبعدها يصل الحجيج إلى ردهة "تورودو"، حيث يُحرق أكثر من 10 آلاف مصباح يتبرع بها العبّاد.

النهار والليل

وإذا زرت أوكونوين نهارا، ستصادف زمرا من الحجيج يرتدون ثيابا بيضاء وقبعات من القش مخروطية الشكل، ومجموعات من الرهبان يذهبون إلى الضريح ويعودون، ومجموعات أكبر من السياح تلتقط صورا للحجيج والرهبان.

لكن في الليل تختلف التجربة تماما، إذ يكتنف ظلام مخيف الممرات المضاءة بالمصابيح، ويخيم عليها صمت مطبق لا يقطعه سوى أصوات الحشرات أو السناجب الطائرة.

المبيت في المعبد

وقد يخوض الحجيج والزوار تجربة فريدة في كويا سان بالبقاء في واحد من 52 معبد "شوكوبو" المخصصة لإيواء الزوار، حيث ينزل الضيوف في غرف مفروشة بالبسط وأسرّة الفوتون الأرضية التقليدية اليابانية.

وتختلف معابد شوكوبو عن الفنادق المعتادة في أوجه عدة، من بينها أنها تدار من قبل رهبان، ويتكون الطعام الذي يقدمه رهبان شباب في غرف الضيوف، من الخضروات والتوفو والفاصولياء، أي أطعمة نباتية وفقا لتعاليم الشينغون.

ويقول سيشو كوندو، أحد الرهبان في معبد إيكوين: "يخضع الطهي في كويا سان للقواعد البوذية الصارمة التي تحظر تناول اللحوم، ووضعت هذه القواعد منذ أن أسس كوكاي كويا سان. وتُستخدم مكونات محدودة وعمليات طهي بسيطة للحصول على نكهات لطيفة تعكس فصول السنة".

طقوس النار

تتيح الإقامة في معابد شوكوبو للنزلاء معايشة الرهبان وتجربة بعض طقوسهم اليومية، مثل جلسات التأمل وكتابة السوترا البوذية المقدسة، والانضمام إليهم في جلسات الصلاة في الصباح الباكر وطقوس النار.

ويظهر في هذه الصورة راهب يجلس في ردهة خافتة الإضاءة ويحرق أعواد صلاة ويغني رهبان آخرون ويقرعون الطبول بإيقاع متواصل، بينما تزداد الشعلات توهجا وتتطاير منها ألسنة اللهب. وترمز النار لحكمة بوذا، في حين أن الأعواد الخشبية تمثل الرغبات الإنسانية، التي تعد أصل المعاناة، ويعتقد أن بوذا يحرق هذه الرغبات بينما يصلي المرء.

ويقول كوندو: "النار المقدسة لها القدرة على تطهير المرء روحانيا ونفسيا. والهدف من تأدية هذا الطقس هو التخلص من الطاقة السلبية والأفكار والرغبات المضرة، وتحصيل آمال ومقاصد دنيوية. فقد يعد هذا الطقس تجربة نفسية عميقة".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: